بالإيمان القلبي بالرب يسوع المسيح يصير المؤمن الحقيقي عضوًا في جسد المسيح. وكما يوجد ترابط قوي بين كل أعضاء الجسد الواحد، وأيضًا تهتم الأعضاء اهتمامًا واحدًا بعضها البعض؛ كذلك كل المؤمنين بالمسيح. فإن كان عضو واحد يتألم فجميع الأعضاء تتألم معه، وإن كان عضو واحد يُكرَم فجميع الأعضاء تفرح معه (1كورنثوس 12: 25 ،26). لذلك تتكرر كثيرًا في كلمة الله هاتان الكلمتان «بعضكم بعضًا» ونذكر منها الآتي لفائدتنا الروحية:
أحبوا بعضكم بعضاً
قبل الإيمان كانت حياتنا هي حياة البغضة لله ولبعضنا البعض، فلقد قام قايين على هابيل أخيه وقتله، وكذلك أبيمالك بن جدعون قتل إخوته السبعين في يوم واحد، فلقد كنا «مشحونين حسدًا وقتلاً وخصامًا ومكرًا وسوءًا» (رومية 1: 29). ولكن بعد الإيمان فإن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا (رومية 5: 5)؛ لذلك نحن نحب الرب لأنه هو أحبنا أولاً (1يو 4: 19)، ونحب بعضنا البعض، ونحب حتى الأعداء كما أوصانا (متى 5: 41).
والمحبة هي أحد ثمار الروح القدس الساكن في المؤمن، وما يميّز تلاميذ المسيح المحبة التي مقياسها محبة المسيح، فلقد قال الرب للتلاميذ «وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضًا. كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضًا بعضكم بعضًا. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضًا لبعض» وأيضًا «هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم... بهذا أوصيكم حتى تحبوا بعضكم بعضًا» (يوحنا 13: 34 ،35؛ 15: 12 ،17).
والمحبة مرتبطة بالعطاء والبذل، يقول الرسول يوحنا «بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة» (1يوحنا 3: 16). لذلك ففي بداية تأسيس الكنيسة كان جميع الذين آمنوا معًا، وكان عندهم كلَّ شيء مشتركًا والأملاك والمقتنيات كانوا يبيعونها ويقسمونها بين الجميع كما يكون لكل واحد احتياج (أعمال 2: 44 ،45). بحق إن قلب الله يُسَرّ ويشبع بمحبتنا لبعض.
إن المحبة للمؤمن هي دليل الولادة الجديدة «نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة» وأيضًا «أيها الأحباء لنحب بعضنا بعضًا لأن المحبة هي من الله، وكل من يحب فقد وُلد من الله ويعرف الله». والعكس أيضًا فإن «من لا يحب أخاه يبقى في الموت، كل من يُبغض أخاه فهو قاتل نفس»، وأيضًا «من يبغض أخاه فهو في الظلمة وفى الظلمة يسلك ولا يعلم أين يمضي لأن الظلمة أعمت عينيه»، وكذلك «من لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة» (1يوحنا الأولى 2: 11؛3: 14 ،15؛ 4: 7 ،8). فنحن مديونون بأن نحب بعضنا بعضًا لأن من أحب غيره فقد أكمل الناموس الذي قال «تحب قريبك كنفسك» (رومية 13: 8-10). فالمحبة لا تضع شرًّا للقريب بل تصنع الخير.
وصفات المحبة مذكورة في رسالة كورنثوس الأولى13، منها ما هو إيجابي وما هو سلبي، فـ«المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد. المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ ولا تقبِّح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحقد ولا تظن السوء ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق وتحتمل كل شيء وتصدِّق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء المحبة لا تسقط أبدًا».
المحبة أعظم من الإيمان والرجاء لأنها باقية إلى الأبد. والرسول بولس يشكر الله من أجل مؤمني كولوسي إذ سمع عن محبتهم لجميع القدسين، وأيضًا يذكر تعب المحبة لمؤمني تسالونيكي. والمؤمن الحقيقي متعلّم من الله أن يحب أخيه، فيقول لمؤمني تسالونيكي «وأما المحبة الأخوية فلا حاجة لكم أن أكتب اليكم عنها لأنكم أنفسكم متعلّمون من الله أن يحب بعضكم بعضًا... وإنما أطلب اليكم أيها الأخوة أن تزدادوا أكثر» (1تسالونيكى 4: 9 ،10)، فالوصية لنا «أحبوا بعضكم بعضًا من قلب طاهر بشدة»، وكذلك «لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة لأن المحبة تستر كثرةً من الخطايا» (1بطرس 1: 22؛4: 8).
لذلك ليعطنا الرب أن محبتنا بعضنا لبعض تزداد يومًا بعد الآخر، وأن تكون محبة شديدة، ومن قلب طاهر، وأن تكون بلا رياء، وأن تكون محبة عملية تاعبة باذلة مضحية
لأن «من كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجًا وأغلق أحشاءه عنه فكيف تثبت محبة الله فيه؟ يا أولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق» (1يوحنا 3: 17 ،18). وإلى لقاء،،