الغريزة

س: نسمع كثيراً كلمات: الغريزة، الشهوة، العواطف.  فهل هذه الكلمات مرادفات لمعنى واحد أم لكل كلمة معناها؟  ولماذا ترتبط في ذهننا كشباب لارغبة الجنسية بصفة خاصة، وبالتالي نعتبرها مرتبطة بالخطية؟ 

الغريزة هي استعداد فِطري في كيان كل إنسان، مولود به، ولا يحتاج إلى تَعلّمه، بل يعمل تلقائيًا بطريقة معينة، لإشباع احتياج ما في داخل الإنسان، وغالبًا ما يصحبها نداء داخلي في الإنسان.  مثل الطفل الذي يبدأ في الرضاعة من ثدي أمه تلقائيًا بعد ولادته دون تعلم.  والإشباع الغريزي ينتهي بالشعور بمتعة معيَّنة، ولكنها مؤقتة، بعدها بقليل تنادي الغريزة مرة أخرى.  

وفي الإنسان أنواع مختلفة من الغرائز:

1- غرائز إنسانية 

تميّزه كإنسان عن بقية الكائنات الحية، وتعبِّر عن كيانه الإنساني: 

غرائز عضوية:  بدونها تستحيل الحياة؛ مثل الأكل والشرب.

غرائز نفسية إجتماعية: للحفاظ على كيان الإنسان، مثل: الانتماء لجماعة من الناس، كالعائلة، ممارسة المحبة - أن يكون محبوبًا من الآخرين ويحبهم، التميز... إلخ.

الغريزة الجنسية: وهى أقوى الغرائز النفسية وستُناقش بالتفصيل فيما بعد. هذه الغرائز الإنسانية كانت موجودة في آدم قبل السقوط، وهي موجودة في كل إنسان منذ ولادته، ولا علاقة لها بالخطية.   

2- غرائز الطبيعة الساقطة

الطبيعة التي دخلت بسقوط آدم، وتوارثها كل نسل آدم، والتي يسميها الكتاب «الخطية الساكنة فيَّ» (رومية 7: 20) لها غرائزها ونداءها الداخلي التلقائي منذ ولادة الإنسان مثل: العصيان «مِن البطن سُميِّت عاصيًا» (إشعياء 48: 8)، فالإنسان لا يحتاج أن يتعلم العصيان.  الأنانية: انظر يعقوب وهو يمسك بعقب أخيه وهما بعد في بطن أمهما (تكوين25).  فعل الإثم والخطية «هانذا بالإثم صوِّرت وبالخطية حبلت بي أمي» (مزمور 51: 5).   هذه الغرائز موجودة في جميع الناس منذ الولادة، وتخدم رغبة تعظيم الذات في الإنسان وتأليه نفسه.  وتعبِّر عن صفات حياة جسدية ساقطة «المولود من الجسد جسد هو» (يوحنا 3:6).  

3- غرائز الطبيعة الجديدة

المؤمنون، وقد وُلدو من الله، أخذوا طبيعة جديدة، لها ميولها التي يمكن أن نسميها: غرائز الطبيعة الجديدة.  وهي ميول روحية تعبِّر عن صنف حياة جديدة «المولود من الروح هو روح» (يوحنا3:6).  

هذه الميول الروحية تتّجه إلى الله وتناديه، وترغب في التوافق معه والاستناد عليه مثل: محبة القداسة، رغبة في إرضاء الله والخضوع له، والتوافق الفكري معه . هذه توضع في المؤمنين فقط بعد ولادتهم من الله مباشرةً.  

عمل الغرائز الإنسانية

الطبيعي هو أن الإنسان يستجيب لنداء الغرائز الإنسانية حسب الظروف المواتية وحسب قوة النداء.  فالجوعان مثلاً لا يمكن أن يخطف أي أكل موجود أمامه ليشبع غريزة الجوع طالما أن الظروف غير مواتية، مهما كانت الآم الجوع في داخله.  ووجود الغريزة فرصة لتدريب الإرادة للتحكم فيها وإشباعها بطريقة صحيحة وفي وقت مناسب.  ولكن لأن الإنسان كله أصبح «جسدي مبيع تحت الخطية» (رومية 7: 14)، لذلك أصبحت الغرائز الإنسانية في الإنسان العادي لا تعمل بمفردها، بل أن غرائز الطبيعة القديمة، نظرًا لشراستها، تحاول استخدام الغرائز الإنسانية البريئة لخدمتها.  وبالتالي فإشباع متطلبات الغرائز الإنسانية يمكن أن يكون شرعيًا أو غير شرعي.  فهو شرعي إذا تصرف الشخص حسب المنطق الإنساني، فلا يأخذ ما ليس له ولايتصرف بطريقة غير لائقة.  وغير شرعي إذا سيطرت غرائز الطبيعة القديمة على كل شيء. 

كما أن وجود الاحتياج الذي تنادي به الغريزة ليس مبرِّرًا لإشباعها بأي طريقة «لايستخفون بالسارق ولو سرق ليشبع نفسه وهو جوعان» (أمثال 6: 30).  

كذلك عندما تختلط الغرائز الإنسانية بغرائز الطبيعة القديمة تجدها تخضع لمبدإ "الممنوع مرغوب" «ولكن الخطية وهي متّخذة فرصةً بالوصية أنشأت فيَّ كل شهوة» (رومية 7: 8).  

لكن ما الذي يجعل الغريزة الجنسية لها وضع خاص وسط الغرائز الإنسانية؟  وما هي علاقة الغريزة بالشهوة؟  هذا حديثنا العدد القادم إن شاء الله.