هل فكرت يومًا ما هي الصورة التي تتمنى أن تكون عليها؟ أو بلغة أخرى، مَنْ هي الشخصية المثالية في نظرك؟ ولو سألت نفسك ما هي الصفات النموذجية التي تريد أن تكون فيك؟ فماذا تختار : القوة أم الإيمان؟ الجاه أم الأمانة؟ الجمال أم الوداعة؟ التفاخر أم التواضع؟ الأناقة أم الإحتمال؟ . لاحظ أن العالم يقدِّر كل ما هو مظهري وسطحي أما المبدأ الإلهي فهو «لأنه ليس كما ينظر الإنسان لأن الإنسان ينظر إلى العينين وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب» (1صموئيل 16: 7). وحديثنا في هذه المرة عن نموذج رائع من الكتاب المقدس، شاب إتصف بصفات رائعة ونادرة.
إنه يوسف وقد جاءت قصته في سفر التكوين والأصحاحات من 37 إلى 50 وهي قصة شيّقة للغاية ومليئة بالدروس النافعة. إنه شاب سلَّم حياته بالتمام للرب من صِغره وعاش واضعًا نصب عينيه أن يتقي الرب ويرضيه، ويا لها من أمور ثمينة في عينى الرب .
يوسف الأمين
كان أمينًا لأبيه يعقوب الذي أحبه. فكان إذا كلفه أبوه بمهمة ما أخلص في طاعته وتنفيذ رغبته. ومرة طلب إليه أبوه أن يذهب إلى شكيم حيث إخوته يرعون الغنم ليسأل عن سلامتهم ولما وصل إلى هناك لم يجدهم، لكنه لم يرجع بل استمر في البحث عنهم وفي سبيل ذلك ضل الطريق. وإذ عرف أنهم في دوثان وصل إليهم إلى حيث هم تنفيذًا لرغبة أبيه رغم علمه ببغضتهم له. يا للإخلاص !! ثم بعد ذلك في بيت فوطيفار وكان يوسف عبدًا لكنه عمل بأمانة واجتهاد ونجح جدًا في عمله حتى أن فوطيفار وكّله على كل بيته .
لكن كيف لاحظ فوطيفار أمانته؟
ربما من الطريقة التي كان يؤدي بها عمله ربما من الطريقة التي كان يعرف فيها وقته ربما من الطريقة التي كـان يكـلم بــها سيدته ربما من الطريقة التي كان يعبر فيهـــا عن رأيه وكذلك ظهرت أمانته في بيت السجن إذ جعل له الله نعمة في عيني رئيس السجن. فكان أن دفع إلى يده جميع الأسرى ووكله عليهم. يا للعجب شاب صغير يُصبح ناجحًا حتى في أقسى الظروف وفي أردأ الأماكن! إن السر وراء أمانته الظاهرة كان في أمانته السرية لله إذ كان أمينًا لإلهه في أدق تفاصيل حياته.
أخي الشاب .. يقول الرب «كُن أمينًا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة» (رؤيا 2: 10) وأيضًا «عيناي على أمناء الأرض لكي أُجلسهم معي. السالك طريقًا كاملًا هو يخدمني» (مزمور 101: 6).
يوسف الطاهر
كان يوسف شابًا جميلًا (تكوين 39: 6) وربما لهذا السبب تعرَّض لأقسى تجربة يتعرض لها شاب. فقد هاجمته التجربة بأعنف صورها لكنه تغلب عليها بقوة الرب. وسر انتصاره يرجع إلى أنه نظر إلى التجربة من ثلاث نواحٍ :
أولًا : نظر إلى نفسه كمن له شركة مع الله كمن يراه ويرعاه الله كمن هو ليس لنفسه بل لله. لقد عرف مقامه كرجل الله وقدّر امتيازاته وعلاقته بإلهه فلم يكن من السهل عليه أن يدع الخطية تفصل بينه وبين إلهه.
ثانيًا : نظر إلى الخطية وعرف أنها دنسة ونجسة، أنها جذابة وكذابة، أنها خاطئة جدًا. لذا لم ينجذب لإغرائها ولم يتجاوب مع غوايتها بل رفضها بإصرار .
ثالثًا : وهذا هو أهم شيء إذ نظر إلى الله وعرف أن الخطية موجهة ضد الله وضد طبيعته القدوسة فما كان منه إلا أن هرب قائلًا «كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله» وبالحق إن أفضل وسيلة للنجاة من التجارب والشهوات الشبابية هي الهروب منها (2تيموثاوس 2: 22) ولنتذكر أن جناحى الحمامة للهروب أفضل من كف الأسد للمقاومة بالنسبة لهذه الخطية.
يوسف الناجح
اختبر يوسف نوعين من التجارب ما أصعبهما على الشاب في كل جيل وعصر. تعرَّض للتهديد وللترغيب، للإضطهاد وللإغراء، للوعيد وللوعد. فلقد اضطهده إخوته بشدة وأذلوا نفسه «في الحديد دخلت نفسه» . فقد خلعوا عنه قميصه الملوّن ثم ألقوه في البئر وأخيرًا باعوه عبدًا. ولقد استرحمهم لكنهم لم يُشفقوا عليه بل امتلأوا قسوة نحوه. أما في بيت فوطيفار فقد ألحَّت عليه تلك المرأة الشريرة كثيرًا ملوّحة أمامه بتنعم الخطية الوقتي وما كان أصعب التجربة على نفسه الحساسة. لقد جاءه الشيطان كالأسد الزائر عن طريق ظلم إخوته واضطهادهم له ولما لم ينجح جاءه بأسلوب الإغراء كالحية الخادعة بواسطة إمرأة فوطيفار. لكنه في هذه وتلك وقف ثابتًا مرفوع الرأس ناجحًا أمام التجارب.
ما هو سر نجاحه : عاش قريبًا من الرب جدًا فتمتع بوجود الرب معه «وكان الرب مع يوسف فكان رجلًا ناجحًا» . إن النجاح الحقيقى ينبع من نفس مُلتصقة بالرب متمتعة برفقته العظيمة التي لا يساويها أي شيء في الوجود . أخي الشاب . أتشتاق أن تكون ناجحًا؟ سلّم حياتك كُلية للرب ودعه يملك على قلبك بالتمام.