السقوط المتكرر

أكثر فترات السقوط المتكرر والشعور بالهزيمة هو سن المراهقة، لأن إرادة التحدي في هذه السن تكون قوية وعنيفة، لذلك تكون الهزيمة مُرَّة جدًا . ولأن هذه المرحلة أهم ما يميزها هو النمو الجنسي، وظهور الرغبات المتجهة للجنس الآخر، التي تأخذ شكل الشهوة، لذلك فإن السقوط والهزيمة غالبًا ما يكونان من هذه النوعية من الخطايا سواء بالفكر أو بالفعل. ويُقابل ذلك صراع الشخص ضد هذه الميول والأفكار لمحاولة القضاء عليها. وغالبًا ما ينتهى هذا الصراع بنصرة الشهوة الداخلية، وهزيمة المؤمن، الذي يكون مُخلصًا في دوافعه لإرضاء الرب.
أسباب السقوط المتكرر
هناك دروس روحية سنناقشها بعد قليل، لكن هناك أسبابًا نفسية غير متوقفة على المستوى الروحي أهمها :
(1) جهاز عصبي حاد :    يكون رَّد فعل صاحبه مع المثيرات الخارجية والميول الداخلية سريعًا، ويزداد رَّد الفعل بزيادة حدة الجهاز العصبي. وصاحبه لا يستطيع أن يتحكم في نفسه بسهولة فيتجاوب مع هذه المُثيرات أكثر وأسرع من الشخص الذي يكون جهازه العصبي هادئًا. كذلك يكون رفضه لهذه الميول وصراعه ضدها بطريقة عصبية. فتكثر مشغوليته بهذا الجو سواء بالتجاوب أو بالرفض، مما يؤدي إلى تكرار السقوط والهزيمة وزيادة حدة الصراع. وطبعًا ليس بالضرورة أن يكون الشخص العصبي الشديد الصراع أقل روحانية من الشخص الهادئ الطباع والأقل صراعًا.

(2) إرادة التحدي العنيفة داخل الشاب  هناك بعض الناس، مؤمنين أو غير مؤمنين، تكون إرادة التحدي عندهم عنيفة، وبالتالي استسلامهم، وتسليمهم بعجزهم يكون صعبًا جدًا. والمؤمنون منهم يأخذون وقتًا أطول تحت وطأة الهزيمة، وتكون تدريباتهم عنيفة لكي يصلوا إلى معرفة ذواتهم. كما أن هناك ثقة ذاتية فطرية في كيان كل إنسان، صعب انتزاعها، لأنها تقترن بعنصر المحاولة المتأصل في الإنسان.

(3) فراغ نفسي عميق : الأشخاص الذين عندهم اتساع في دائرة الفكر والاحساس، ولم يحصلوا بعد على الغرض الذي يملأ هذا الفراغ العميق، ولو أُضيف لذلك أن نقطة ضعفهم الرئيسية هي الفراغ الجنسي، هؤلاء يقينًا سيُعانون أكثر من غيرهم في هذه الناحية.

أهم الدروس التي يمكن الخروج بها من الهزيمة المتكررة
1 -   معرفة المؤمن لنفسه بكيفية اختبارية
معرفة الشاب المؤمن لنفسه غالبًا ما تكون خاطئة. وصعب جدًا أن يقتنع الشاب بحقيقة ما فيه سواء من عجز أو من رداءة.
أ - معرفة المؤمن لعجزه :  الله في نعمته لا يترك الشاب لثقته الكبيرة في نفسه، وهو يظن أنه لابد أن ينتصر في النهاية، لأنه لا يعرف حجم عجزه.  ولكن الله يستخدم الهزيمة لكي يرى الشاب أنه مغلوب ومُرغم على أن يفعل الخطية «لست أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل» (رومية 7: 19) ولكنه يستمر يحاول، وفي كل مرة يحاول فيها يجد الشر حاضرًا عنده. ويظل بين المحاولة والهزيمة، إلى أن يفقد الأمل في كل إمكانية في داخله، فيصرخ في النهاية طالبًا النجدة من خارجه «من يُنقذنى من جسد هذا الموت» (رومية 7: 24).  وقبل استسلامه لا يكون قد أدرك عجزه، ولحظة تسليمه هي بداية طريق البركة في حياته.
ب - معرفة المؤمن لحجم الفساد الذي في داخله : - الله يستخدم هذه المرحلة ليعلِّم الشاب أن الجسد (الطبيعة القديمة) لم يخرج منه بعد الإيمان، كما أن الجسد لم ولن يتغير أو يتحسن، بل سيظل موجودًا بكل فساده. فمع الهزيمة يُصرِّح المؤمن «ولكني أرى ناموسًا (قانونًا) آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني (أي ما تريده الطبيعة الجديدة) ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي» (رومية 7: 23). ولأن الشاب بالطبيعة يمتلئ بالأفكار الحسنة عن نفسه، وصعب أن يقتنع بأنه كله ردئ، فيظل الله وراء المؤمن حتى يقرر «فإني أعلم أنه ليس ساكن فيَّ أي في جسدي شيء صالح» (رومية 7: 18).

2 - التخلص من مبدأ الناموس : مبدأ الناموس هو أن الشاب يعتبر نفسه مسئولًا أمام الله أن يُرضيه بمجهوداته، وهذا يفترض وجود قوة لتنفيذ ذلك. بتكرار الهزيمة يكتشف الشاب أن وضع نفسه تحت وصايا معينة يُلزم نفسه بها لا ينشأ عنه سوى نُصرة الخطية وهزيمته هو كقول الرسول «ولكن لما جاءت الوصية عاشت الخطية فمُت أنا» (رومية 7: 9). وكذلك يكتشف أنه كلما أخذ تعهدات أكثر على نفسه كلما زادت قوة الشهوة داخله. «ولكن الخطية وهي مُتخذة فرصة بالوصية أنشأت فيَّ كل شهوة» (رومية 7: 8). هذه الإكتشافات كلما تعمقت في داخل الشاب فهي ستقوده إلى أن لا يضع على نفسه تعهدًا آخر مُطلقًا، ويقرر أنه فاشل حتى أمام أصغر العهود وأبسطها .

3 - معرفة النعمة التي في قلب الله: في البداية يقيس الشاب محبة الرب له على حالته العملية، والشيطان يستخدم الهزيمة ليشككه في محبة الله، فيظن أن الرب يحبه أكثر ويقف في صفه لو كان في حالة روحية جيدة، ولكن تقل محبة الرب له، ويكشر الرب في وجهه إذا انخفضت حالته الروحية. لكن الرب يظل وراء الشاب، مُستخدمًا جو الهزيمة، ليعمِّق في قلبه إدراك أن الله يحبه جدًا وفي صفه دائمًا رغم كل ما هو عليه، وليعلّمه قيمة القول «يسوع .. إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهي» (يوحنا 13: 1). أي أن محبته تصل إلى منتهى ما يصل إليه المؤمن من ضعف أو فشل أو سقوط أو هزيمة، هو يحتمله في كل هذا وإلى هناك تصل محبته لتنتشله .

كيف  أتعامل  مع  نفسى  في حالة  الهزيمة  والسقوط  المتكرر :
لابد من معرفة أن أكثر الإختبارات مرارة يخرج منها أفضل الدروس الروحية «من الآكل خرج أكلٌ ومن الجافي خرجت حلاوة» (قضاة 14: 14). والله أحيانًا يسمح في نعمته أن يتركني لفترة محددة، هو الذي يحددها، في مُعاناة الهزيمة، مع كل إخلاصي ومحاولاتي، ليعلمني دروسًا هامة، يحفرها عميقًا في نفسي، وليضعني على الطريق الصحيح للبركة الروحية. فهم الشاب المؤمن لطبيعة هذه المرحلة يجعله يتعامل مع الرب بطريقة صحيحة مختلفة عن السابقة كالآتي :

1 - تعلم أن تعود إليه فور سقوطك
مهما كان عدد المرات التي سقطتها، أو نوعية الخطية المهزوم منها، واثقًا أنه سوف يستقبلك لأنه لازال يحبك، وأي فكر يشجعك على التأخير في العودة للرب هو من الشيطان الذي يريد أن يفصلك عنه.

2 - وأنت جالس أمامه، لا تُكثر الحديث عن حالتك، وتنشغل بنفسك، فهو يعلم ما صنعته. فانتقل بفكرك سريعًا إلى محبته ونعمته اللتان مازالتا وسوف تظلان تحتملانك، وأنه سوف يظل في صفك مهما يكن ما وصلت إليه.

3 - لا تأخذ على نفسك عهودًا أمامه، عالمًا أنك ستنهزم مع كل عهد تأخذه على نفسك. بل كُن فى انتظار أن يُنقذك هو بنفسه مما أنت فيه. فقط عليك أن تظل مُلتصقًا به لأنه لا رجاء لك سوى فيه. تعلم أن القداسة التي ترغبها هي طريق تسلكه، وليس هدفًا تسعى إليه فالله دعانا «في القداسة» (تسالونيكي الأولى 4: 7) والمبدأ النفسي البسيط أنني أتطبع بالشيء تلقائيًا كلما اندمجت فيه أكثر بفكري وعواطفي. فالقداسة تتحقق في حياتي كلما فكرّت أكثر في المسيح وانشغلت به، والقداسة تقل كلما قلَّت مشغوليتي بالمسيح، مهما انشغلت بالقداسة نفسها .
يتبع