منذ سنوات خَلَت كانت الحرب مشتعله بين فرنسا وإيطاليا، وعلى الحدود المشتركه بين البلدين كانت تجري أشد المعارك هولاً، هناك كان يقطن أحد الأشخاص كان من نصيبه أن يقع بين براثن الجيشين المتنازعين. عاش صاحبنا ردحًا من الزمان خائفًا أن تناله رصاصات المتقاتلين، وهو لا يدري إلى أي الجيشين ينتمي، وعند أيهما يحتمي!
ثم هداه تفكيره إلى حيلة، ظَنّ أنها بارعة، شرع في تنفيذها على الفور، في محاولة أن يأمن شر القتال. فصنع لنفسه رداءً ذا وجهين؛ كان احدهما بلون زي الجيش الفرنسي والآخر بلون رداء الجيش الإيطالي. وحين كانت رحى الحرب تدور كان الرجل ينتظر ليراقب مايحدث؛ فإذا لاحت النصرة للجيش الفرنسي سارع بارتداء رداءه على الجانب الفرنسي، وإذا رجحت كفة الإيطاليين أسرع بقلب الرداء على الجانب الآخر ليُظهر انتماءه إليهم. وظن أنه بذلك يستطيع العيش فى سلام نائلاً حمايه الجانين.
هل تعتقد أنها حيلة ذكية؟ انتظر لترى نهايه قصتنا..
اشتعلت المعركة في أحد الأيام، وبدا للرجل أن الجانب الفرنسي أرجح، أسرع بلبس ردائه على الوجه الملون بلون الجنود الفرنسيين، ولكن لَمَحَه الإيطاليون فاطلقوا عليه نيرانهم. في هلع وارتباك أسرع بتغيير الرداء إلى لون الجيش الإيطالى، فلاحظه الفرنسيون فحصدوه برصاصهم.. واكتوى صاحبنا بنيران كلا الطرفين!!
لم يكن الرجل حكيمًا في تصرفه؛ أليس كذلك؟
لكن يبدو أن هناك الكثيرون ممن يحذون حذوه ويحتاجون إلى التحذير الالهي: “حتى متى تعرجون بين الفرقتين؟” (1ملوك18: 21). أوَليس الكثيرون يفعلون مثله فيتلونون بشتى الألوان، حسبما تقتضي مجريات الأمور بالنسبه لهم؛ لكي يتجنبوا بعض المخاطر، أو يكسبوا بعض المظاهر أو يتفادوا كلمات السخرية والاستهزاء.
تعرض شخصان لذات الموقف الرهيب، أعني وجودهما في مشاهد صلب المسيح: فغيّر أحدهما من لونه تفاديًا للصعوبات. وأظهر الآخر لونه الحقيقي، معترفًا بإيمانه، شاهدًا لإلهه في أحلك الظروف، معرِّضًا نفسه للخطر.
هذان الشخصان هما:
بطرس:
كانت بداءة بطرس حسنة عندما ترك كل شيء وتبع المسيح (لوقا5: 10،11)، وقد اعترف به الاعتراف الحسن قائلاً له “أنت هو المسيح ابن الله الحي” (متى16: 16). وقد أعلن في وقت لاحق أنه على استعداد للموت عنه مصرحًا “إني أضع نفسي عنك” (يوحنا13: 37).
ولكن حين قبضوا على السيد ومضوا به إلى دار رئيس الكهنة لم يتبعه بطرس إلا من بعيد (متى26: 58). وحين كانوا يحاكمونه دخل بطرس ليقف ويصطلي وسط العبيد، وهو يسب ويلعن منكرًا سيده، ومنكرًا أنه من تلاميذه. لقد تلوَّن بطرس بلونهم، وفشل في أن يُظهر لونه الحقيقي!
صديقي هل يضغط عليك الناس من حولك لكي تتلون بلونهم؟ أم أنك تظل ثابتًا مُظهِرًا انتمائك للمسيح؟ “فلا تخجل بشهاده ربنا” (2تيموثاوس1: 8) ولتقدِّم في إيمانك فضيلة (شجاعة أدبية) (2بطرس1: 5). واعترِف بالمسيح في كل المواقف وأمام الجميع، فمن يعترف به قدام الناس سيعترف به السيد أمام الآب (متى10: 32). وما أعظم مكافأة من يعترف بالمسيح في زمان رفضه!
نيقوديموس:
لقد اظهر نيقوديموس لونه الحقيقي في ذات المشهد. لقد كانت البداية عندما “جاء إلى يسوع ليلاً” خوفًا أن يعلن انتمائه للمسيح أمام الجميع(يوحنا3: 2). ولكن سبيله كان “كنور المشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل” (أمثال4: 18).. فقام فيما بعد ليدافع عن المسيح أمام جمع من رؤساء الكهنة والفريسيين، مُظهِرًا انتمائه بشكل ما للمسيح، وقصد الروح القدس أن يلفت أنظارنا أنه في البداية “جاء إليه ليلاً وهو واحد منهم”(يوحنا7: 50).
ثم يُظهر نيقوديموس مع يوسف الرامي لونهما الحقيقي عندما اعتنيا بجسد يسوع المصلوب في ذروة رفضه، في الوقت الذي هرب فيه التلاميذ. أتى نيقوديموس حاملاً نحو مئة منا من الأطياب في مشهد من أروع مشاهد الولاء والتكريس. وهنا أيضًا يذكِّرنا الوحي أنه “الذي أتى أولاً إلى يسوع ليلاً”(يوحنا19: 39)..
لقد بدأ مضطربًا، فأتى في الظلمة إلى نور العالم، وانتهى بالاعتراف العلني أمام الجميع، بل أكثر من ذلك، لقد حمل جسد الرب يسوع الميت فتنجس حسب الشريعة، لذا فلن يشارك فى عيد الفصح، ولكن من يهتم وقد وجد حمل الله الحقيقي ولم يعد يهتم إلا بإكرام سيده؟
صديقي هل نجح العالم في أن يلوِّننا بألوان شتى؟ فلنحترس لئلا بدلاً من أن يتزايد نورنا وينير إلى النهار الكامل، أن ننغمس شيئًا فشيئًا في أمور الزمان، فنجد أنفسنا في البداية نهتم بأمور العالم ولا نلبث أن نجد أنفسنا وقد تدنسنا من العالم (يعقوب1: 27) ثم نجد أنه من السهل علينا أن نبدأ في محبة العالم (1يوحنا2: 15) وتضعف محبتنا لله وطاعتنا لكلمته، فتصبح الخطوة التالية أن نشاكل هذا الدهر(رومية12: 2) ولا يستطيع أحد أن يميّز بيننا وبين غير المؤمنين فقد صبغنا العالم بألوانه.
صديقي.. هل أنت وأنا نُظهر لوننا الحقيقي؟!