لم يجد الباكستاني “كامران” طريقة يدخل بها هونج كونج سوى النوم في حقيبة كبيرة يحملها صديقه لدخول هونج كونج. ولسوء الحظ أوقف ضابط الهجرة الصديق، وطلب منه فتح الحقيبة، وكانت المفاجأة: العثور على رجل يرقد داخلها. وبدلاً من الدخول إلى هونج كونج دخل “كامران” السجن لقضاء عقوبة مدتها 18 شهرًا، بتهمة دخول البلاد بشكل غير مشروع.
ربما ابتسمت يا صديقي لهذا الخبر الطريف، والذي لم يكن طريفًا أو ظريفًا بالنسبة لصاحبه. وبالمثل لن يكون الحدث سعيدًا أبدًا، لمن يحاولون الدخول إلى السماء وهم نيام في حقائب. وكم من أناس يرغبون دخول السماء وهم يرقدون في حقائب، يظنون أنها كافية وآمنة، هؤلاء يقفون في طابور طويل جدًا، في فناء مدرسة كبيرة جدًا، ناظرها ومؤسسها أستاذًا قديمًا اسمه قايين. لقد وقف يومًا في أول هذا الطريق وهو يحمل في يده حقيبة أيضًا هي: حقيبة ثمار الأرض.
إني أتخيل قايين وهو يقرع باب السماء، يريد تأشيرة عفو ربه ورضاه؛ أسمعه وكأنه يقول لله: أنا قايين ابن آدم بل وبكره، لقد أتيت إليك بقرابيني، ها هي أحملها بيميني، إنها من ثمار الأرض المباركة، ذهبت إلى الحقل وقطفتها وفي حقيبتي وضعتها، بل ورائحة تعبي وكفاحي وعرقي منها أشتمها، فانظر إلى قرابيني.. فنظرة منك تكفيني وتحييني.
وكأني أسمع من الرب رده: إن رائحة عرقك يا ابن آدم، تحكي قصة سقوط الإنسان، وتروي تاريخ اللعنة والعصيان. ألم تعلم أن الأرض لُعنت بسبب تعدي أبيك؟ فأنا أعطيته جنة بها ثمر، يجنيه بغير تعب، ويأكل منه بغير عرق؛ لكنه لم يحفظ الوصية، واستمع لصوت المرأة والحية، وما التعب والعرق إلا نتائج طبيعية للسقوط في الخطية..
ونظر الرب إلى هابيل وقربانه «من أبكار غنمه وسمانها»، ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر. فاغتاظ قايين وسقط على وجهه.
ولأن الرب حناّن ورحيم حاجج قايين قائلاً له: «لماذا اغتظت؟ ولماذا سقط وجهك؟ إن أحسنت أفلا رفع (أي إن أحسنت في الطريقة التي تقدِّم بها إلى الله)، وإن لم تُحسن فعند الباب خطية رابضة (أي ذبيحة للخطية يمكن أن تقدمها)» وللأسف لم يقبل قايين النصيحة ولم يقنع بالذبيحة. وذهب إلى أخيه، وتكلم معه، متظاهرًا بالود، ثم قام عليه وقتله.
هذا هو قايين المتدين الأول والقاتل الأول أيضًا، وهؤلاء هم أتباعه الذين في ذات الطريق يسيرون، حقائب تعبهم يحملون، وكأنهم عن جدارة لرضا ربهم يستحقون، إخوتهم يبغضون، ويقتلون، وإلى السجن الأبدي ينحدرون، وهم واهمون ولا يدرون. ونسوا المسيح المخلص الوحيد: الذي «ليس بأحد غيره الخلاص» (أعمال4: 12). والباب الوحيد الذي أعلن عن نفسه قائلاً: «أنا هو الباب» (يوحنا10: 9).
بل والتأشيرة الرسمية الوحيدة للوصول إلى الله «ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي» (يوحنا14: 6).
وهو الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى السماء «أنا هو الطريق» (يوحنا14: 6).
لذلك يقول الكتاب «ويل لهم لأنهم سلكوا طريق قايين» (يهوذا11).
حقيبة الذبيحة:
قدَّم هابيل من أبكار غنمه، وكأنه يقول: أنا لا أستطيع أن أتقدم إلى الله بمفردي، فأنا خاطئ وابن آدم الخاطئ، المطرود من فردوس الله بسبب الخطية. فالخطية قتلتني، وعن الله فصلتني وأبعدتني، لذلك سأوسط بيني وبين الله الذبيحة، الدم، الموت؛ فهذا ما أستحقه.. وهكذا «بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين» (عبرانيين11: 4).
أصدقائي الأعزاء: لقد كان قايين مخلِصًا، ومُتعبِّدًا للإله الواحد، ولم يكن مثل جيل ما بعد الطوفان، عبدة الأوثان. بل وكان مجتهدًا، ولم يقدِّم شيئًا زهيدًا، بل أن عبادته كلَّفته تعبًا وعزمًا ربما أكثر من هابيل؛ إلا إنه رغم كل ذلك كان جاهلاً ومتوحشًا، مثل اليهود الذين اضطهدوا رسل المسيح وقال الرب عنهم «تأتي ساعة فيها يظُن كل من يقتلكم أنه يقدِّم خدمة لله» (يوحنا16: 2) ومثل شاول الطرسوسي الذي كان مخلِصًا ومتممًا لفرائض دينه، إلا أنه كان يسطو على الكنيسة كذئب، وكحية ينفث تهدُّدًا وقتلاً على تلاميذ الرب، وكحمار يرفس معاملات الله. حتى آمن شاول بمن آمن به هابيل. إذ احتمى في دم ذبيحة المسيح وقال بعد ذلك «أنا الذي كنت قبلاً مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا، ولكنني رُحمت، لأني فعلت بجهل في عدم إيمان» (1تيموثاوس1: 13).
صديقي وصديقتي: أنت تصلي وتقترب من عرش الله؛ هذا حسن. ولكن ما هذا الذي تتقدم به وتثق فيه؟ هل تقف في طابور قايين حيث البر الذاتي، والاستحقاقات الشخصية؟ أم في طابور هابيل حيث الاعتراف بالخطية والثقة في عمل المسيح وكفاية دمه؟
أي حقيبة تحمل: حقيبة قايين القتال، أم حقيبة هابيل البار؟!