سُمّيَت مجلتنا العزيزة «نحو الهدف»، وكانت اسمًا على مُسمَّى، إذ حققت الهدف الذي أُخرجت من أجله. فعلى مدى عشر سنوات تمكّنت المجلة من تقديم مادة جيدة، عميقة، متنوعة، تناسب الشباب في المرحلة الثانوية والجامعية. كان الهدف واضحًا من البداية وهذا ما ساعد على نجاحها. وهذا مبدأ هام: متى كان الهدف محدَّدًا، فالنجاح هو النتيجة الطبيعية.
ولكن من الملاحظ أن كثيرين ممن يخدمون لم يتدربوا بعد على تحديد هدف واضح لخدمتهم، وأحيانًا لا يكون هناك هدف صحيح للحياة، مما يؤدي إلى تشتيت الذهن وإهدار الطاقة وإضاعة الوقت. والكتاب يعلِّمنا أهمية تحديد الهدف والسعي لتحقيقه «ولكني أفعل شيئًا واحدًا؛ إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض (الهدف) لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع» (فيلبي3: 13، 14).
ويمكننا أن نلخص أهمية تحديد الهدف في النقاط التالية:
1) الهدف المحدَّد يعطي اتجاهًا واضحًا للحياة
إن وجود هدف يعطي للحياة إحساسًا بالقيمة وبالمعنى. وهذا يدفع الشخص إلى اختيار مبادئ محدَّدة يسير عليها. ونرى هذا بوضوح في دانيآل.
كان دانيآل، منذ حداثته، شابًا ذا أهداف واضحة، وهذا ترك بصماته عليه في كل مراحل حياته، لذا تمكن أن يصمد أمام كل التيارات المعاكسة التي واجهته، واستطاع منذ باكورة شبابه وحتى شيخوخته أن يحتفظ بغرض واضح ثابت في الحياة؛ وهو: أن يُرضي الله في كل شيء. «أما دانيآل فجعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه، فطلب من رئيس الخصيان أن لا يتنجس» (دانيآل1: 8). لماذا؟ لأنه نوى ألا يفعل شيئًا ضد مشيئة إلهه، وصمَّم أن يحتفظ بضمير صالح. وظل هكذا طوال حياته. ولما تعرّض للتجربة الصعبة في شيخوخته، لم يهتز، ولم يتراجع عن مبادئه، بل ظل راسخًا كالصخر، وبالإيمان سدّ أفواه الأسود.
والكتاب يعلِّمنا أن «رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه» (يعقوب1: 8)، لكن من الجانب الآخر «ذو الرأي الممكَّن تحفظه سالمًا سالمًا لأنه عليك متوكل» (إشعياء26: 3).
2) الهدف المحدَّد يولِّد غيرة وحماسًا
كان نحميا رجلاً ممتلئًا بالغيرة نحو شعبه ونحو عمل الله. ولما بدأ العمل العظيم في أورشليم كان شعاره «هلم فنبني سور أورشليم، ولا نكون بعد عارًا» (نحميا2: 17). ولما واجهته الصعاب كان يقول «إن إله السماء يعطينا النجاح، ونحن عبيده نقوم ونبني» (2: 20). وبدأ عمله بغيرة وحماسة منقطعة النظير. كانوا يبنون وفي نفس الوقت يحملون السلاح (4: 17). لم يكن هناك وقت للراحة ولا حتى التقاط الأنفاس «ولم أكن أنا ولا إخوتي ولا غلماني ولا الحراس الذين ورائي نخلع ثيابنا. كان كل واحد يذهب بسلاحه إلى الماء» (4: 23). ولما حاول أعداؤه تحويله عن عمله قال قولته المشهورة «إني أنا عامل عملاً عظيمًا فلا أقدر أن أنزل» (6: 3). وتم العمل في وقت قياسي، في 52 يومًا، وعلم كل المقاومين «أنه من قِبَل إلهنا عُمل هذا العمل» (6: 15، 16).
أألا ترى تأثير وجود هدف واضح ومحدَّد على الغيرة والحماسة التي ينبغي أن تميّز عمل الرب؟!
3) الهدف المحدَّد يعطي دراية بالنتائج
نهتم كثيرًا بالإنجازات في حد ذاتها، أو بالوسائل التي نستخدمها في تحقيق هذه الإنجازات، ونُغفِل تقييم النتائج. وهذا الأمر ليس حسنًا، إذ أنه يجعلنا نهمل تقييم العمل تقييمًا صحيحًا. لكن عندما يكون الهدف محدَّدًا أمام الخادم، فهذا سيقوده إلى التدريب على تقييم العمل في حضرة الله بصدق وأمانة. وهذا ما يعلمنا الكتاب «ولكن ليمتحن كل واحد عمله، وحينئذ يكون له الفخر من جهة نفسه فقط لا من جهة غيره» (غلاطية6: 4).
والرسول بولس، صاحب الهدف المحدَّد في الحياة، والذي كان شعاره «لي الحياة هي المسيح»، كان حريصًا على متابعة نتائج خدمته دائمًا. كتب إلى إخوة غلاطية، الذين بعد إيمانهم رجعوا لفرائض الناموس: «أخاف عليكم أن أكون قد تعبت فيكم عبثًا» (غلاطية4: 11). وبالنسبة لإخوة تسالونيكي الذين تعرّضوا للاضطهاد بعد إيمانهم بالمسيح، وخاف عليهم جدًا، أرسل إليهم تيموثاوس ليطمئن عليهم «إذ لم أحتمل أيضًا، أرسلت (تيموثاوس) لكي أعرف إيمانكم لعل المجرِّب يكون قد جرَّبكم فيصير تعبنا باطلاً» وإذ اطمأن عليهم وتأكد من ثباتهم في الإيمان رغم الضيقات، هتف فرحًا «لأن من هو رجاؤنا وفرحنا وإكليل افتخارنا؟ أم لستم أنتم أيضًا أمام ربنا يسوع المسيح في مجيئه، لأنكم مجدنا وفرحنا» (1تسالونيكي3: 5؛ 2: 19، 20).
إذًا متابعة النتائج والتأكد من نجاح العمل مرتبط ارتباطًا وثيقًا بوضوح الهدف.
إني أشجِّع إخوتي الشباب للتدرب على تحديد أهدافهم في محضر الله، فتكون حياتهم أكثر نفعًا وأعمق أثرًا.