تأثّر العالم، في مارس الماضي، بمقتل الأمريكية "راشيل كوري" (23سنة)، حيث وقفت في طريق الجيش الإسرائيلي، إحتجاجًا على الجرّافات التي تهدم بيوت الفلسطينيين؛ وبدلاً من أن ينزل قائد البلدوزر ويزيحها من الطريق، فإنه مَرَّ عليها، ودهسها، وحطّم جمجمتها، ودفنها في التراب.
أما ما فعلته "رِصفة" (ومعنى اسمها: فحم متوهج) وهي سُرّية شاول (2صموئيل 21: 8-14) فكان غريبًا، وعجيبًا، بل ومتوهِّجًا أيضًا، فقد أمر الملك داود بإعدام ولديها صلبًا، وكذلك بني ميكال الخمسة. سبعة من الشباب ثم صلبهم معًا، وتُركت جثثهم مُعلّقة فوق الجبل. فماذا فعلت هذه المرأة (رِصفة)؟
لقد أخذت مِسحًا (ثوب خشن من الشَعر يُرتدى كعلامة للحزن الشديد)، وفرشته لنفسها على الصخر، ووقفت هناك فوق الجبل، لتحرس الجثث المُعلَّقة، حتى لا تأكلها طيور السماء نهارًا، ولا تنهشها حيوانات الحقل ليلاً. وظلت رِصفة على هذا الحال عدة شهور، ليلاً ونهارًا، صيفًا وشتاءً، تحت الأمطار وتحت الثلوج، بل وتحت لفحة الشمس الحارقة. حتى أُخبر الملك داود بما فعلته رِصفة، فأمر برفع الجثث ودفنها، إكرامًا وتقديرًا لها. ولنا هنا درسان عظيمان.
أولهما: في المثابرة والتضحية والإيمان.
لقد كانت راشيل تحرس بيوتًا بلا سكان، كما كانت رِصفة تحرس جثثًا بلا روح، ولكنهم أبنائها! ونحن كم لنا من بيوت مكتظة بالسكان، وكم لنا من أخوة وأقارب، أصدقاء وجيران؛ هالكون وإلى جهنم ذاهبون! إذًا كيف نصمت؟ كيف نسكت؟ ألا نفعل شيئًا؟! ألا نصرخ في وجه الشيطان قائلين: "لا أيها الشيطان، لن نسمح لك بأن تخطف أحبائنا، وفلذات أكبادنا، وتذهب بهم إلى الجحيم". بل وعلينا أن لا نفشل أبدًا، بل نستمر واقفين، وفي الصلاة مثابرين ومجاهدين، ولا بد أن يسمع الملك بل ويقول لنا: «قد سمعت صلاتك. قد رأيت دموعك» (إشعياء 38: 5).
أما الدرس الثاني فهو في المسيح صانع السلام وقاهر الشيطان:
لقد حاولت راشيل، ناشطة السلام الأمريكية، أن تفعل بِرًّا، أما المسيح فقد صنع كل البِرّ «عاملاً الصُلح بدم صليبه» (كولوسي 1: 20). «الذي أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا» (رومية 4: 25). «فإذ قد تبرّرنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح» (رومية 5: 1).
وإن كانت كل محاولات رِصفة هي أن تزجر الطيور التي تخطف والجوارح التي تنهش، فإن المسيح، بموته على الصليب، هزم كل الشياطين «إذ جرَّد الرياسات والسلاطين (صورة لمملكة الشياطين) وأشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه» (كولوسي 2: 15).
فيا لسلام المسيح ويا لغلبته الظافرة!
هذا سـلامُ لي شــراه
| ربُّ الفداء بالصليب
|
كالنهرِ يجري في صفاه
| يُروى ظـماء القلب
|
عزيزي القارئ:
إن كنت محرومًا من الطمأنينة والسلام.. ومهزومًا تحت وطأة الخطية والآثام.. فها المسيح الظافر يقرع بابك.. يحمل أحزانك وينزع آلامك إن فتحت له، وقَبِلته سيُسمعك أروع الكلام: إيمانك قد خلَّصك اذهب بسلام.