أحد أغنى حقول البترول على الإطلاق هو “حقل دارست” في ولاية تكساس الأمريكية، وهو يُدِّر على مالِكه ملايين الدولارات سنويًا. أما “بيل دارست” فهو ليس مالك هذا الحقل، ولكنه المالك السابق.. وهل تدرى بِكَم باع بيل حقله السابق لملاّكه الحاليين؟ صدِّق أو لا تصدق: بما لا يتجاوز المائة دولار!!
بطل قصتنا الحقيقية، العاثر الحظ، هو أحد رعاة البقر الأمريكيين. كان بيل يرتحل من هنا إلى هناك على حصانه، تصاحبه أحلامه. كان صاحبنا يحلم بالثراء العريض، ولم تكن أرضه غير الخصبة تساعده على تحقيق تلك الأحلام؛ لذا فقد باع بيل أرضه - التى فشلت جهوده المضنية فى أن تجعلها تنبت له شيئًا - قايض بيل المشترى ويُدعى “جو” على عربة يجرّها حصانان قويان، في مبادلة فكّر بيل فى أنها ناجحة تمامًا. “لن يستفيد من هذه الارض شيئًا يُذكر، أما أنا فسوف أجوب الأرض طولها وعرضها بحثًا عن أحد الأراضى الغنية بالبترول، ولسوف أغتني” هكذا فكر بيل وهو يضحك. ثم رحل ليتتبع منابع البترول وهو يحلم بالحظ والثروة.
لم تمضِ سوى ستة أشهر حتى اكتُشف في تكساس أغنى آبار البترول في المنطقة، ولكن لم يكتشفه بيل، إنما اكتشفه جو! أوَ تدري أين؟ في أرض بيل الجرداء! توقف بيل عن الضحك عندما اكتشف أنه أضاع ملايين الدولارات من بين يديه وهو لا يدري. وظل الحقل باسم “بيل دارست” ليذكِّره دائمًا بالفرصة الثمينة التي كانت ملكه وأضاعها من بين يديه. ومات “بيل دارست” منذ عشرات السنوات، ولكن لم تنسَ عائلته أبدًا أن الأشياء العظيمة القيمة يمكن أن تُستبدل - بحماقة - بأخرى تافهة القيمة، وإن هناك الكثير من الأمور الثمينة تباع بأبخس الأثمان!
أوَ ليس هذا ما يفعله الكثيرون فى هذه الأيام؟!!
صديقي.. عليك دائمًا أن تميز ما بين الثمين والمرذول، وما بين الطاهر والنجس (لاويين10: 10) واحترس لئلا تختار البخس وتترك الثمين.. صديقي.. من تختار:
المسيح أم الخطية؟
باع يهوذا سيده بأبخس الأثمان؛ كان الثمن ثلاثين من الفضة، أي ما يزيد قليلاً عن ثلاثة جنيهات. هذا الثمن يعود بنا إلى الشريعة التي كانت تقول إنه إذا نطح ثور رجلاً أو امرأة ومات من نطحة الثور كان الثور يُرجم ويدفع صاحبه أي مبلغ من المال يوضع عليه من أصحاب الميت، أما إذا نطح الثور عبدًا او جارية يُرجم الثور ويدفع صاحبه ثلاثين من الفضة. وقد قيّم يهوذا، بالاتفاق مع رؤساء الكهنة، سيده هذا التقييم البخس المهين. كان ثمن سيده في نظره لا يزيد عن ثمن العبد الذي لا قيمة له! أ إلى هذا الحد يبخس ثمن المسيح؟ وإلى هذا اليوم يباع الغالي بأبخس الأثمان؟ قد لا يُباع بالفضة والذهب ولكن عشرات الآلاف اليوم يبيعونه نظير: شهوة آثمة، أو علاقة دنسة، أو مجد زائل، أو لذة عابرة. سيندم الكثيرون، بعد فوات الأوان، عندما يكتشفون أن الحظ والغنى والكرامة والسعادة كانوا بين أيديهم وأضاعوهم عندما رفضوا أن يقبلوا المسيح، وراحوا يبحثون عن المتعة والبهجة في الخطية والعالم، فلم يجنوا سوى البؤس والعذاب حاضرًا وأبديًا.
الينبوع الحي أم آبار العالم؟
ويا له من أمر يدعو للعجب، جعل الله نفسه يدعو السماوات للحيرة والدهشه من حالة شعبه الذي بدّل مجده بما لاينفع «تركونى أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آبارًا آبارًا مشقَّقة لا تضبط ماءً» (إرميا2: 13).
أوَ ليس العالم مليء بالآبار المشقَّقة التي يحاول بها الشيطان أن يشغل الإنسان عن الله، بل ويحاول أن يحوِّل من اختاروا السيد نصيبًا لهم عن مصدر ريّهم وشبعهم الحقيقى إلى أمور تلوِّن أفراحهم الروحية بظلالٍ قاتمة. يحاول الشيطان، مستخدمًا مغريات العالم، أن يجعل المؤمنين مدمنين لملذات الأرض وتساليها، مكاسبها وملاهيها. فلنحذر لئلا يحوِّلنا الحية القديمة إلى أمور فانية، لها بريق وليس لها رحيق، والخسارة فادحة إذا استبدلنا شركتنا وأفراحنا فى المسيح بآبار العالم المشقَّقة التي لا تضبط ماء.
ما فوق وما على الأرض؟
ويا لها من خسارة إذا اهتم المؤمنين بمصالحهم على الارض وقَلَّ اهتمامهم بما فوق. وإنه مما يدعو للبكاء حقًا أن يفتكر المؤمنين في الأرضيات مع أن سيرتهم فى السماويات (فيلبي3: 19). إنها وصية واجبة التنفيذ: «اهتموا بما فوق لا بما على الأرض» (كولوسي3: 2). يحيا الكثيرون من المؤمنين لأغراض مختلفة: العلم أو العمل أو الأسرة؛ ويحيا الكثيرون لأجل إشباع ملذّاتهم ورغباتهم. تألم الرسول لأحوال مثل هؤلاء قائلاً «الجميع يطلبون ما هو لأنفسهم، لا ما هو ليسوع المسيح» (فيلبي2: 21).
صديقي.. علينا أن نؤدّي واجباتنا الزمنية بأمانة دون أن يتعلق القلب بها، ودون أن تتسلّط علينا. فما أفدح الخسارة التي تلحق بمؤمن استبدل أمور الله بأمور على الأرض. ليعيننا الرب لنطلب ما فوق، ولنهتم بما فوق.
مرمرة أخرى: لا تنس أن الأمور الثمينة يمكن أن تُستبدل - بحماقة - بأمور تافهة.