بين الفرح والحزن لحظة، وبين الضحكة والدمعة برهة؛ بل وبين طرفة عين وأخرى تتغير المشاهد من سرور وطرب إلى مشاهد سخط وغضب. هذا عين ما حدث في السيرك القومي المصري، فبينما كانت الجماهير في سعادة غامرة، وهي تستمتع بفقرة اللعب مع الأسود والنمور وبراعة ورشاقة المدرب الحلو، وإذ بالحيوان المفترس ينقض على المدرب، فأرداه جريحًا، لينتهي الحفل بمشهد مآساوي مر. ويبدو أنه موسم إعتداء الأسود والنمور على مدربيهم، ففي أحد السيركات الأوربية إنقض الأسد على مدربه ليفصل رأسه عن جسده وسط ذهول ووجوم المشاهدين.
والسؤال هنا: هل يمكن أن يروَّض الأسد، ويصير في يوم من الأيام أليفًا؟ صحيح أن داود قتل أسدًا، وكذلك فعل شمشون، وبناياهو (1صموئيل17: 34-37، قضاة14: 5،6؛ 2صموئيل 23: 20)، وهذا كان بمعونة خاصة من الرب لهم. وصحيح أيضًا أنه مكتوب (مرتين) أن «الأسد كالبقر يأكل تبنًا» (إشعياء11: 7؛ 65: 25) لكن هذا الحدث له مكانه وزمانه وظروفه.
لكن بما أن الشيطان اليوم مُسيَّب، يدمر ويخرب، لذلك سيظل الأسد أسدًا، في وحشيته وكمونه (مزمور7: 2؛ 10: 9)، وفي انقضاضه وغدره، لا على فريسته فحسب، بل وعلى صاحبه ومدربه.
إن الكتاب المقدس حذّرنا من الشيطان فقال: «اصحوا واسهروا، لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الإيمان» (1بطرس5: 8،9). لم يصحُ ولم يسهر يهوذا الاسخريوطي، بل ترك الخصم يجول ويزأر، وترك له الباب مفتوحًا ليدخل ويخرج؛ وفي ذات مرة دخله الشيطان وجعله يمضي إلى الرؤساء ليسلمهم المسيح، عاهدوه بالفضة، فواعدهم بتسليمه لهم، ندم يهوذا بعدها، وطرح الفضة، ثم غدر به الشيطان أخيرا وجعله يمضي ويخنق نفسه (لوقا22، متى27).
أعزائي القراء: ظن بعض البشر أن الشيطان مجرد فكرة أو وهم وخيال، فقالوا إنه تحت الأقدام، ومنهم من ظن أنه قوي جدًا، ومُرعب للغاية، ولكي يتقوا شره، عبدوه.
لكن الشيطان شخص له رؤساء وسلاطين وولاة وأجناد، والذين يتهاونون به، ولا يتسلحوا ضده سينهزمون حتمًا.
وصحيح أنه مكتوب أن «إله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم» (رومية16: 20)، ولكن هذا سيتم بصورة كاملة في المستقبل.
وإن كان الشيطان قويًا فعلاً، فلنا من هو أقوى منه، والذي وضع أساس سحقه في الصليب (تكوين3: 15).
ونود أن ننوه هنا عن أسلوبين من الأساليب التي يستخدمها الشيطان ضد البشر.
أولاً: أسلوب الحية والترغيب
لم يذهب الشيطان إلى حواء كالأسد، بل ذهب إليها كالحية في نعومتها، وحكمتها، كما يفعل الأسد في السيرك كأنه حيوان أليف.
لقد ظهر في الجنة بصورة مناسبة (حية) وذهب للشخصية المناسبة (حواء كالأضعف من آدم)، وبدأ حوار كله خيرات وإغراءات. وطالما دخل الإنسان في حوار معه، فإنه مهزوم مهزوم، لأن المحاور كذاب، وختّال، ولا يعرف الكسوف أو الخجل، ولا الخيبة أو الفشل، قد يفارق الإنسان لكن إلى حين.
استغرق الحوار ثوان معدودة، استخدم الشيطان فيها 20 كلمة، و6 أحرف؛ أقنع حواء بعدم محبة الله لهم، وأنهما لو أكلا من الشجرة الممنوع الأكل منها سيصيران مثل الله، وإنهما لن يموتا... وبعد حوالي نصف دقيقة، هي كل مدة الحوار، دخلت الخطية إلى العالم، فعرّت الإنسان وأخجلته، ومن الجنة قد طردته. وجاءت اللعنة، وحلَّ التعب، ونبت الشوك، وطلع الحسك (المر)، وأطلَّ الموت. لكن في ملء الزمان جاء شخص عجيب، أحب الإنسان؛ إنه آدم الأخير: ربنا يسوع المسيح، وتحمل كل النتائج المريرة، فحمل الشوك، وشرب المر وذاق الموت.. فيا له من حبيب!
أما إبليس فكذب على الإنسان، ومازال يكذب أيضًا.
إبليس بيخدع ضميرك إبليس بيخدع عينيك
في الـدنيا دايمـًا بيغـرّك إإبليس بيكذب عليك
أسلوب الإرهاب والزئير
عندما لا يفلح الوعد يستخدم الشيطان الوعيد، وعندما يفشل بالترغيب يأتي بالتهديد، ذهب يومًا إلى دانيآل الأمين، بعد أن طبخ له طبيخًا مسمومًا. ثم صوب سهامه النارية هامسًا في أذنيه قائلاً “أنظر يا دانيال هذه مكافأة صلواتك، وأجرة تسبيحاتك لإلهك.. ستُطرح في جب الأسود لو طلبت أو سألت من غير الملك، فالأمر يا دانيال محتوم، ومن الملك مختوم، فاذهب يا دانيآل إلى بيتك، واغلق كواك المفتوحة، وصلِّ إلى داريوس، داريوس هو الإله.. سبح له، رنم له، عظِّمه، ودعك من إلهك!”.
أما دانيآل فذهب إلى بيته وكواه مفتوحة وصلى، وحمد قدام إلهه ثلاثة مرات، كما كان يفعل قبل ذلك.. وكُشف الأمر، وأُبلغ الملك، فطُرح في الجب، وأرسل الرب ملاكه، وسدَّ أفواه الأسود. فلم تضره.
وإن تزمجر العدى ضدي في أي آن
ليـرعـبوني فـأنــابالـرب في آمـان
إن الدرس الذي نتعلمه من زمجرة الأسود وغدرها، هو أن نسهر، ونصلي كل حين، لأننا لا نجهل أفكار الشيطان.
صديقي وصديقتي، إن للشيطان اليوم ملاهي ليلية، ومسرحيات هزلية، أفلام قذرة، ونكات رخيصة. تُضحك الناس وتفرِج عنهم... لكن احذر من هذا الذي يُضحِك اليوم ويُبكي غدًا.