قبل أن نتكلم عن خدمة بعضنا البعض نضع أمامنا خدمة الرب يسوع المسيح، الخادم الكامل، الذي كان يخدم بحب وبتضحية، يتعب من أجل الآخرين. فهو الذي جال يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، والذي تعب من السفر لأجل نفس بائسة محطمة في السامرة (يوحنا4)، وهو - تبارك اسمه - انحني ليغسل أرجل التلاميذ بالماء وينشفها بالمنشفة (يوحنا31)، وبذلك أعطانا مثالاً عظيمًا في الخدمة المضحية التاعبة والنابعة من قلب محب. لقد خدم الرب يسوع في حياته على الأرض، وخدمنا بموته على الصليب، والآن وهو في المجد يخدمنا برعايته وقيادته وإرشاده لنا طول الطريق، وسيستمر في خدمته لنا طول الأبدية.
وقد قال لتلاميذه: «من أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكن لكم خادمًا... كما أن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين» وأيضًا «وأكبركم يكون خادمًا لكم» (متى20: 26-28؛ 23: 11). إن حب الذات يجعلنا نطلب المجلس الأول حتى يكون الآخرون بمنزلة خدم لنا، ولكن المحبة الحقيقية تحملنا إلى ترك ما هو لنا لكي نخدم الآخرين بالاتضاع والمحبة. وأمام خدمة الرب يسوع المسيح العظيمة لنا نحتاج أن نتعلم أن نخدم بعضنا بعضًا بالمحبة.
وهناك الأمثلة الكثيرة في الكتاب المقدس عن أتقياء خدموا بعضهم البعض بكل محبة.
كان يشوع من حداثته يخدم موسى رجل الله بكل حب وخضوع، فقيل عن يشوع بن نون إنه خادم موسى ثلاث مرات في الكتاب (عدد11: 28؛ خروج24: 13؛ يشوع1: 1).
عندما تأوه داود قائلاً «من يسقيني ماء من بئر بيت لحم التي عند الباب»، نجد ثلاثة أبطال، بكل حب لداود وتضحية، قد شقوا محلة الفلسطينيين واستقوا ماء من بئر بيت لحم التي عند الباب وحملوه وأتوا به إلى داود (2صموئيل23: 13-17).
وعندما كان داود مطارَدًا من ابنه أبشالوم الذي تمرد عليه، نجد ثلاثة رجال: هم شوبي بن ناحاش من ربّة بني عمون وماكير بن عميئيل من لودبار وبرزلاي الجلعادي من روجليم، قدّموا طعامًا لداود وللشعب الذي معه ليأكلوا، لأنهم قالوا الشعب جوعان ومتعب وعطشان في البرية (2صموئيل17: 27-29).
وذُكر عن برزلاي الجلعادي أنه عال الملك داود عند إقامته في محنايم، وقد كان رجلاً عظيمًا جدًا (2صموئيل19: 31-39)، بحق إنها خدمة عظيمة جدًا للملك داود، إنها خدمة الحب والعطاء للآخرين.
وذُكر عن إليشع أنه كان يصب ماء على يدي إيليا (2ملوك3: 11).
وفي العهد الجديد نجد أن النساء خدمن الرب يسوع من أموالهن (لوقا8: 3).
وكذلك مرثا خدمت الرب والتلاميذ الذين كانوا معه، صحيح في البداية خدمت بتذمر لكنها في النهاية خدمت خدمة صحيحة (يوحنا12: 2).
وبعد أن شفى الرب حماة بطرس وتركتها الحمي صارت تخدمهم (مرقس1: 31).
وكان الشمامسة يقومون بالخدمة اليومية للأرامل ويخدمون خدمة الموائد (أعمال6).
وما أروع ما ذُكر عن بيت استفاناس أنهم قد رتبوا أنفسهم لخدمة القديسين (1كورنثوس16: 15).
ونجد أن يوحنا مرقس كان خادمًا للرسول بولس وبرنابا في رحلتهما التبشرية الأولى (أعمال12: 25؛ 13: 5)، وعندما سُجن بولس في سجنه الأخير بروما يقول لتيموثاوس: «خذ مرقس وأحضره معك لأنه نافع لي للخدمة» (2تيموثاوس4: 11)، إن خدمة يوحنا مرقس هي خدمة الأعوان والمساعدة في قضاء ما يحتاجه الآخرون وهي خدمة عظيمة جدًا في عيني الرب.
ونجد أن بولس يشهد عن أنيسفورس قائلاً إنه «مرارًا كثيرة أراحني ولم يخجل بسلسلتي، بل لما كان في رومية طلبني بأوفر اجتهاد فوجدني» (2تيموثاوس 1: 16 ،17).
ونجد أن مؤمني فيلبي أرسلوا تقدمة مالية للرسول بولس وكلّفوا أبفرودتس أن يوصلها له في سجنه في روما، وبالتالي تكلف تعب ومشقة ومخاطر السفر، حتى أنه مرض وقارب الموت مخاطرًا بنفسه لكي يجبر نقصان خدمة مؤمني فيلبي (فيلبي2: 30).
وكذلك نجد أكيلا وبرسكيلا وضعا عنقيهما من أجل الرسول بولس (رومية16: 4).
ووكان فليمون يعد مكانًا لأقامة بولس في منزله وبالتالي كان يخدمه من جهة الإضافة محققًا قول الكتاب «لا تنسوا أضافة الغرباء» (عبرانيين13: 2).
لذلك ليعطنا الرب أن نخدم بعضنا البعض، بكل الحب والتضحية، متذكرين قول الرب يسوع «من سخّرك ميلاً واحدًا فاذهب مع اثنين» (متى5: 41)؛ وأن كل خدمة لها مكأفاة «عالمين أن تعبكم ليس باطلاً في الرب» (1كورنثوس15: 58)، «وكأس ماء بارد... لا يضيع أجره» (مرقس9: 41). وكل من أخذ موهبة من الله يخدم بها الآخرين كوكيل صالح على نعمة الله المتنوعة (1بطرس4: 10). وكذلك نهتم بعضنا ببعض عن طريق الافتقاد والزيارات، والسؤال عن المريض، وتشجيع المتألم، وتقديم كلمات التعزية للحزين؛ إنها خدمة عظيمة جدًا يقدرها الرب يسوع.
فهيا نخدم بعضنا البعض بكل الحب والتضحية ونتعب من أجل بعضنا البعض.