من هو؟
هو أحد الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى شعب إسرائيل، ليتكلموا بكلمته لهم، وكان ذلك في القرن الثامن قبل الميلاد، حوالي سنة 0 6 7 ق.م، وقد سجّل عاموس أقواله في السفر الذي يحمل اسمه، وهو ضمن أسفار الأنبياء الصغار.
كلمة «عاموس» من أصل عبري معناه “ثِقل” أو “حِمل”. وغالبًا هذا الاسم كان يشير إلى الرسالة الثقيلة التي كان عليه أن يبلغها للشعب؛ فقد كان مكلَّفًا بإعلان قضاء الله عليهم بسبب شرورهم الكثيرة.
نشأ عاموس في قرية تقوع الواقعة على بُعد عشرة أميال جنوب أورشيلم. وكان رجلاً فقيرًا بسيطًا، إذ كان راعيًا للأغنام وجانيًا للجميز، وكلا العملين لا يؤدّيهما إلا الفقراء المساكين. هذا الرجل المغمور لم يكن ابنًا لأحد الأنبياء أو الكهنة أو قادة الشعب، ولم يدخل إلى مدرسة الأنبياء ليتعلم كيف يكون نبيًا، لكن الله دعاه لهذه الخدمة وأهَّلَه لها. وهو يذكر عن دعوته القول «لست أنا نبيًا، ولا أنا ابن نبي، بل أنا راع وجاني جميز. فأخذني الرب من وراء الضأن. وقال لي الرب: اذهب تنبأ لشعب إسرائيل» (7: 14،15). وعلى الرغم مما يبدو أنه لم يكن على مستوى عالٍ من الثقافة، لكنه كان مُلِمًّا بأسفار موسى والكتب المقدسة الموجودة في ذلك الوقت. ألا يذكِّرنا ذلك بقول الكتاب: «فانظروا دعوتكم أيها الإخوة أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد، ليس كثيرون أقوياء، ليس كثيرون شرفاء. بل اختار الله جُهال العالم ليُخزي الحكماء، واختار الله ضعفاء العالم ليُخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليُبطل الموجود؛ كي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه» (1كورنثوس1: 26-29).
الدعوة إلى الخدمة
«فأخذني الرب من وراء الضأن». بحسب المواصفات الطبيعية والمؤهلات الدينية، لم يكن من المتوقع أن شخصًا مثل عاموس يُصبح نبيًا للرب؛ لكن الرب أخذه من وراء الضأن، وكأنه يقول «لقد فاجأني الرب بهذا الأمر الذي لم أكن أتوقعه، وألزمني به».
لم تأتِ دعوته من إنسان، ولم يؤهّله للخدمة بشر، لكنها أتت من الرب مباشرة. وإذ تحقق عاموس من دعوة الرب، استجاب لها. لكن الأمر لم يكن بالسهولة التي نتصورها، فبلا شك ترددت أصوات كثيرة في داخله أنه ليس كفوًا لهذه الخدمة وأنه ليس مدرَّبًا ليكون نبيًا، وأن نشأته وعمله لم تؤهله للمأمورية. لكنه تغلب على كل هذا وأطاع صوت الرب.
ثم حدّد الرب لعاموس دائرة خدمته «اذهب تنبأ لشعبي إسرائيل». عندما يرسل الرب شخصًا يقنعه بالمكان الذي سيذهب إليه. قد يكون هذا المكان بعيدًا عن الأهل أو البيئة التي تربى فيها، وقد يكون مكانًا مخيفًا بغيضًا؛ لكن عمل الخادم أن يطيع.
كان عاموس من المملكة الجنوبية مملكة يهوذا، وكانت بلده تقوع في جنوب أرض إسرائيل، لكن الله أمره أن يترك بلده وأهله ليذهب إلى بيت إيل في مملكة الشمال، حيث عبادة الأوثان والأنبياء الكذبة والملك الشرير، وهناك يقوم بخدمته. ويا له من درس لكل خادم! فالرب وحده هو الذي يحدِّد مجال الخدمة ومكانها. هل تعلم لماذا يفشل بعض الخُدام والمرسلين في عملهم؟ لأنهم يريدون أن يختاروا لأنفسهم الأماكن التي يعملون فيها!!
صعوبة الرسالة
أرسل الرب عبده أثناء، مُلك يربعام الثاني، حين كانت مملكة إسرائيل (المملكة الشمالية) تتمتع بفترة سلام ورخاء، وكانت المظاهر الدينية أيضًا كثيرة، لكن بلا تقوى حقيقية. فالأغنياء ازدادوا غنى، والفقراء لم يكن لهم من يحميهم من ظلم الأغنياء. كانت المملكة في أوج مجدها، لكنه لم يُخدع بكل مظاهر العظمة الدنيوية والتقوى الصورية، بل رأى الظلم والفساد والوثنية. وكان عليه أن يُبلِّغ رسالة خطيرة؛ وهل هذا أمر بسيط أن يوبِّخ شخص واحد أمة وملكًا وكهنوتًا؟!! تصوروا معي كيف كان يعيش في سكينة وهدوء، فإذ به يُكلَّف بمواجهة الملك والشعب برسالة قضاء ودينونة. كان عليه أن يقتحم المخاطر ويجلب على نفسه المتاعب. ومع صعوبة كل ذلك أطاع الرب وتمم مأموريته على أكمل وجه.
آه، أين لنا من هؤلاء الرجال الذين يرسلهم الرب لا الناس، ويذهبون إلى حيث يريد الرب لا الناس، ويشعرون بثقل الرسالة للحد الذي به لا يغريهم الوعد ولا يرهبهم الوعيد.
قال أحد رجال الله معلِّقا على قصة عاموس “إن خدّام الله لا يصنعون أنفسهم، فليكن المجيء إلي الخدمة مجيئًا ضاغطًا لا يقاوَم، مصحوبًا بالإحساس العميق بعدم الكفاية. ولتكن حياة الخادم ختمًا وشهادةً ومصداقًا للدعوة. الله هو الذي يدعو خدّامه، وأما الرجال الذين يدفعهم الناس للخدمة فهم رجال مخطئون، لأن الله وحده هو الذي يختار وهو الذي يجهز أيضًا”.