إن شخص ربنا يسوع المسيح لا يُقارَن بأحد من الناس، فهو أسمى وأعظم من الكل في كل شيء؛ فالكل من أسفل، من الأرض، وأما المسيح فهو «الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع» (يوحنا3: 31 اقرأ أيضًا مزمور45: 2؛ نشيد2: 3؛ 5: 16). وفي هذه الحلقات سنقف قليلاً أمام بعض الشخصيات التي أشار الكتاب المقدس إلى أنهم “عظماء”، لنتأمل في بعض صفاتهم أو أعمالهم لنرى الفارق العظيم بينهم وبين ربنا يسوع المسيح. ذاك الذي قيل عنه «هذا يكون عظيمًا» (لوقا1: 32)..
قال الكتاب «فتعاظم الملك سلميان على كل ملوك الأرض» (1ملوك10: 23). أما الرب يسوع فقال عن نفسه «هوذا أعظم من سليمان ههنا» (متى12: 42). فلنرى بعض المشاهد من حياة الملك سليمان، تلك التي رأتها ملكة سبأ فلم يبقَ فيها روح بعد (اقرأ 1ملوك10).
1- حكمة سليمان:
لم يكن لسليمان - كباقي البشر- حكمة في ذاته، بل أعطاها الله له (1ملوك4: 29)، حتى أنه أصبح أحكم من جميع الناس، وتفوّق على حكمة جميع بني المشرق وكل حكمة مصر. فلنرى ماذا فعل ليُظهر حكمته. أتته امرأتان تسكنان بيتًا واحدًا ولكل منهن ابن، وفي ليلة اضطجعت إحداهن على ابنها فمات. فقامت بوضعه بجوار الثانية وأخذت ابنها الحي. وفي الصباح تشاجرتا على الولد الحي وكل واحدة تقول إنه ابنها. فماذا فعل الحكيم ليفصل في القضيه؟ قال: إيتوني بسيف واشطروا الولد الحي وأعطوا نصفًا لكل واحدة. وهنا ظهرت الأم الحقيقية بمشاعرها، وطلبت أن لا يُميت الولد، ويعطيه للأخرى. فعرف سليمان أنها أمه، فأعطاها الولد. هنا ظهرت حكمته. أمامه ولد ميت وولد حي عليهما نزاع، فحلاً للمشكلة طلب أن يميت الحي. لكن لنذهب للأعظم. لنجد أن الحكمة لم تكن صفة اكتسبها، بل قال عنه الروح القدس إنه «حكمة الله» (1كورنثوس1: 24)، وقال عن نفسه «أنا الحكمة… لي القدرة… من يجدني يجد الحياة» (أمثال8). وهنا الفارق، المسيح لم يأتِ ليُميت بل ليُحي الجميع. أتى ليعطي الأموات بالذنوب والخطايا حياة أبدية. أتى لعالم ليس به واحد حي والآخر ميت بل الجميع أموات. أتى لا ليحل المشكلة بسيف، بل ليجتاز السيف في نفسه ويموت ليُحي الميت! ما أحكمه!
2- طعام مائدة سليمان:
كان له مائدة ما أشهاها، يضع عليها يوميًا ثلاثين ثور ومئة خروف، عدا الأصناف الأخرى من الغزلان والطيور (1ملوك4) وكل من تقدم إلى مائدته لم يكن يحتاج إلى شيء.
أما المسيح فقد أطعم ضيوفه الخمسة آلاف وأشبعهم بخمسة خبزات وسمكتين. ولديه أيضًا خبز آخر يقدمه لك، عزيزي القارئ، إن كنت تشعر بالجوع وبأن العالم لا يوجد فيه ما يشبعك. لقد قال «أنا هو خبز الحياة من يُقبل إليَّ فلا يجوع… إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم» (يوحنا6: 35-51). هل لاحظت الفارق الكبير؟ ليطعم سليمان ضيوفه كان يذبح الذبائح الكثيرة فيشبعون، لكن لساعات ثم يجوعون مرة أخرى. وربنا يسوع ليشبعنا إلى الأبد كان هو الذبيح العظيم. فما أكرمه!
3- عطايا سليمان:
سَمِعت ملكة سبأ عن سليمان، فأتت ورأت، وأعطته عطاياها، وقد قَبِل سليمان هديتها. وبعد أن أخذ «أعطى الملك سليمان لملكة سبأ كل مشتهاها الذي طلبَتْ». لكن أمام المسيح وعطاياه؛ ماذا نقول؟ ذاك الذي كان عنده «مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ» (أعمال20: 35). سليمان أعطى مِن ما عنده، بعد ما أخذ مِن ما عندها أولاً. أما المسيح فأعطى مجانًا، ليس من ما عنده، بل أعطى نفسه، وضحى بحياته ليعطي الحياة الأبدية. وإن كان قد أخذ شيء فهو قد أخذ مكاننا، وكل ما كان علينا من خطايا وذنوب ودينونة. أخذ كل هذا ليعطينا، لا كل مُشتهانا، بل أكثر مما نطلب أو نفتكر؛ عطايا لم ترَها عين ولم تسمع بها أذن ولا تخطر على بال إنسان. فما أجوده!
4- غنى سليمان:
كان لسليمان غنى وكرامة لم يكونا لأحد من كل ملوك الأرض، فجمع لنفسه ذهبًا كثيرًا، فما أتى له في سنة واحدة ست مئه وستة وستين وزنة ذهب (حوالي 20000 كجم)، وكانت الفضة لا تُحسب شيئًا في أيامه. وقد جربَ وتمتع بكل مشتهاه وحاول إشباع قلبه بالملذات. وإذا قرأنا سفر الجامعة (ص2) نرى كيف تمتع سليمان بكل ما في العالم، وفي النهاية أعطي تقريرًا عن كل ما عمله أنه «باطل وقبض الريح».
لكن لنتحول إلى الأعظم، إلى من قال عن نفسه «عندي الغنى والكرامة» (أمثال8). ذاك الذي له الأرض وملئها، قيل عنه «تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح أنه من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا أنتم بفقره» (2كورنثوس8: 9). فبأي شيء تمتع في حياته من كل ما في العالم؟! لقد «أخلى نفسه… وضع نفسه» (فيلبي2)، و«مضى وباع كل ما كان له» ليشترينا (متى13: 44). لذا فإن عمله ليس باطلاً، بل «من تعب نفسه يرى ويشبع» (إشعياء53: 11). فما أغناه!
5- محبة سليمان:
في البداية «أحب سليمان الرب سائرًا في فرائض داود أبيه» (1ملوك3: 3). لكن للأسف، محبته للرب لم تدُم، بل انحدر، وتغيّر قلبه من محبة الرب إلى محبة النساء «وأحب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة». وماذا كانت نتيجة هذه المحبة وهذه الشركة مع الظلمة والارتباط مع غير المؤمنين: «فأمالت نساؤه قلبه وراء آلهة أخرى. وعمل سليمان الشر في عيني الرب» (1ملوك11).
ولكن لنأتي إلى من قال عن محبته «ليس لأحد حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه» (يوحنا15: 13). فلقد أحب الآب؛ وظهر هذا في طريقه للصليب ليبرهن على هذه المحبة عمليًا إذ قال «ولكن ليفهم العالم أني أحب الآب وكما أوصاني الآب هكذا أفعل»« (يوحنا14: 31). وأحب الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها (أفسس5). أحبها لا ليأخذ شيئًا من وراء محبته لها، بل ليعطي وليبارك؛ وهنا تكمن المحبة الحقيقية. أحب وهو يعلم أن هذه المحبة ستقوده للموت. محبة سليمان قادته ليفعل الشر في عيني الرب. ومحبة المسيح قادته ليفعل كل حين ما يرضيه. وليدفع نتائج الشر من أمام عينيه. فما أعظمه!!