الصلاة ومعرفة مشيئة الله

رأينا في المرة السابقة أن الله الذي نتعامل معه هو الآب المحب والحكيم الذي صنعنا ويعرف تكويننا واحتياجاتنا، وقد رسم لنا خطة عظيمة ورحلة العمر بما يضمن سعادة وبركة نفوسنا إذا عشنا داخل إطار هذه الخطة. فهي أروع شيء لحياتنا ولسنا بحاجة مطلقًا أن نغيّرها.

هل تتخيلوا، يا أعزائي القرّاء، إلهًا يُغيِّر رأيه وخططه وأفكاره التي رسمها في الأزل؟ كيف نثق فيه أو نطمئن له؟ إن لله الذي معه أمرنا ليس عنده تغير أو ظل دوران. إنه لا يُغيِّر ما خرج من شفتيه، بل هو ثابت كالصخر من الأزل إلى الأبد، فدعونا نسلِّم له كل شيء ونثق في أمانته.

هل يمكن أن يُفاجأ الله، بعد أن رسم الخطة وحدّد مشيئته، أن ما عمله كان خطأ وأنه لا يناسب الشخص الذي رسمها له؟ هل اكتشف شيئًا أفضل لفت انتباهه نتيجة صلاة وتوسلات هذا الشخص، فعدَّل الخطة؟ أي إله هذا؟

إن يعقوب في يومه وهو يبارك ابني يوسف عند موته، وضع يمينه علي رأس أفرايم وهو الصغير ويساره علي رأس منسى وهو البكر. وضع يديه بفطنة، إذ كان بالإيمان يرى مقاصد الله ويحني رأسه أمامها. لم يفهم يوسف ذلك بل وساء ذلك في عينيه. وحاول أنه يُعدِّل الوضع قائلاً «ليس هكذا يا أبي لأن هذا هو البكر ضع يمنيك عليه» (تكوين 48). فأبى يعقوب وقال له: «علمت يا ابني علمت». وإن كان يعقوب لم يُغيّر الوضع والقصد رغم محاولة يوسف وطلبته، فهل الله، إله يعقوب، يمكن أن يُغير خطته ومشيئته التي رسمها قبل الدهور لمجدنا وخيرنا؟ حاشا وكلا. فالقصد ثابت وصالح وسواء تصرّفنا نحن أو الآخرين بالصواب أو بالخطإ في بعض الأحيان، فإن القصد الإلهي سيشق طريقه، والله سيعمل بنفسه من نفسه وينجز قصده فينا بالأسلوب الذي يراه، وفي الوقت الذي يراه.

ويبقى السؤال: إذا كان ذلك كذلك فلماذا نصلي؟ وهل نحتاج أن نُصلي حقًا بالارتباط مع مشيئة الله في حياتنا طالما هي لن تتغير؟ والجواب: بكل تأكيد نعم، لثلاثة أهداف:

  1. لكي نفهم هذه المشيئة الخاصة لحياتنا، فإن الإنسان بصفة عامة بليد وبطيء الفهم وسريع النسيان. والرسول بولس كان يصلي لأجل المؤمنين في كولوسي لكي يمتلئوا من معرفة مشيئة الله في كل حكمة وفهم روحي (كولوسي1: 9).
  2. الصلاة، وإن كانت لا تُغيِّر المشيئة الإلهية، لكنها تغيرني أنا لكي أتقبل هذه المشيئة إذا كانت تتعارض مع رغباتي وما كنت أفكر فيه. ويقينًا عندما أتغير بعد فترة، سأختبر كل الرضا والسعادة وأشكر الله عليها قانعًا بها تمامًا.
  3. الصلاة تمكّنني من أن أطيع وأعيش هذه المشيئة عمليًا كل يوم وأتلذذ بها، وأقترب من ذلك الذي قال «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله» (يوحنا4: 34).

 (يتبع)