محتملين بعضكم بعضاً

أتذكر أن أسناني عضّت لساني أحيانًا، وتألم اللسان بل وكل الجسد. واحتمل اللسان الألم، وأدرك أن ذلك حدث دون قصد، ولم يخاصم اللسان الأسنان لأن كليهما في حاجة للآخر، فاللسان يحتاج للأسنان لسهولة الكلام والأسنان تحتاج إلى اللسان لسهولة حركة الطعام في الفم؛ وكذلك لأنهما أعضاء في جسد واحد

وهكذا، بعد الإيمان بالرب يسوع المسيح، صار جميع المؤمنين أعضاءً في جسد واحد. ولكن نظرًا لوجود الطبيعة القديمة في المؤمن، فقد تظهر بعض أعمال الجسد من وقت لآخر، فتسبب الألم والضيق للآخرين. وما دمنا نعرف ذلك ينبغي أن نحتمل إخوتنا إذا ما أسأوا إلينا، أو عندما يحدث سوء فهم لبعض الأمور. وحين تكون لنا شركة قوية مع الرب فإننا نحتمل إساءات الضعفاء لذلك لا ينبغي أن نرضي أنفسنا، بل ليُرضي كل واحد منا قريبه للخير لأجل البنيان. وهذا يحتاج إلى إنكار ذواتنا، فأعتبر أخي أفضل مني في المسيح. واحتمال بعضنا البعض نابع من محبة الله التي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا، فالمحبة «تحتمل كل شيء» (1كورنثوس13: 7).

وهل يوجد حدّ معيَّن للاحتمال؟ والإجابة نجدها في إجابة الرب لبطرس عندما سأله قائلاً: «كم مرة يخطئ إليّ أخي وأنا أغفر له؛ هل إلى سبع مرات؟ قال له يسوع: لا أقول لك إلى سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات» (مت18: 21، 22).

ونحن نحتمل بعضنا البعض أمامنا المثال الكامل في الاحتمال: ربنا يسوع المسيح، الذي عاش في هذا العالم محتملاً حتى تعييرات الأشرار (رومية15: 3) وطلب لهم الغفران.

احتمل أيضًا من التلاميذ عدم فهمهم وضعف إيمانهم وكلماتهم ومشاجرتهم..

احتمل إنكار بطرس له ساعة الصلب،

وشك توما بعد القيامة؛

وبالرغم من كل ذلك عاملهم بالحب واللطف وطول الأناة، وطلب من أجلهم من الآب وشجّعهم.

وإنه لشرف عظيم أن نسير في أثر خطواته!

والكتاب المقدس يحوي أمثلة متعددة لأشخاص احتملوا كثيرًا من إخوتهم: مثل:

يوسف،

الذي احتمل آلامًا متعددة من إخوته. لقد أبغضه إخوته ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام، وعندما ذهب إليهم ليسأل عن سلامتهم احتالوا له ليميتوه وأرادوا قتله ثم طرحوه في البئر وبعد ذلك باعوه للاسماعيليين ثم بيع في مصر عبدًا. ولكنه بالرغم من كل ما صدر من إخوته لم يتكلم عنهم رديئًا، وعندما جاء إخوته إلى مصر بكى وعانقهم وأسكنهم في أفضل الأرض وعالهم جميعًا.

وموسى رجل الله

احتمل كثيرًا من إخوته، فعندما ذهب إلى إخوته وهو في مصر وإذا هم يتخاصمون فساقهم إلى السلامة، ولكن الذي كان يظلم قريبـه دفعـة قائلاً «من أقامك رئيسًا وقاضيًا علينا» (خروج2: 14)، واتهموه بأنه سبب لهم مشاكل مع فرعون وأن فرعون سوف يقتلهم بسببه (خروج5: 21)، وتذمر الشعب عليه أكثر من مرة (خروج15: 24؛ 16: 3؛ 17…)، بل وطلبوا أن يرجموه. لكن موسى احتمل إساءات الشعب وتضرع للرب حتى لا يفنيهم (عدد14؛ 16). لقد احتمل موسى إساءات الشعب وكان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض (مزمور106: 33).

وكذلك داود رجل الله

احتمل من إخوته ومن شعبه، فعندما أرسله أباه يسى ليسأل عن سلامة إخوته في الحرب، سمعه ألياب أخوه الأكبر يتكلم مع الرجال فغضب على داود وقال: «أنا علمت كبرياءك وشر قلبك لأنك إنما نزلت لكي ترى الحرب». وبعد أن أنقذ داود ورجاله أهل قعيله من يد الفلسطينيين كان لديهم الاستعداد أن يسلموه مع رجاله ليد شاول عدوه. وفي صقلغ تضايق داود جدًا لأن الشعب قالوا برجمه لكنه تشدد بالرب إلهه. وقد حاول شاول الملك قتله عدة مرات، لذلك احتمل داود الهروب في المغاير والكهوف حتى جاء الوقت المعيَّن من الله ليصير هو الملك.

وأيضًا الرسول بولس

في محبته لمؤمني كورنثوس احتمل منهم افتراءاتهم عليه إذ شككوا في رسوليته وأنه ليس مثل باقي الرسل. وفي أيام حياته الأخيرة عندما كان مقيّدًا في رومية من أجل الإنجيل ارتد عنه جميع الذين في أسيا، وفي احتجاجه أمام الإمبراطور لم يحضر أحد معه بل الجميع تركوه؛ لكنه قال: «لا يُحسب عليهم» (2تي1: 15؛ 4: 16).

أخي .. أختي ..

أمام الأمثلة المباركة التي أمامنا في احتمال الآخرين، لنتشجع ولنتشدد ونتسلح بالصبر وطول الأناة والاحتمال متذكرين قول الكتاب: «محتملين بعضكم بعضًا» (كولوسي3: 13).