إن ضيافة بعضنا البعض هي النتيجة العملية للمحبة الأخوية، لأن المحبة ليست بالكلام واللسان بل بالعمل والحق، ونجد ارتباط المحبة بالضيافة في عبرانيين 13: 1،2 «لتثبت المحبة الأخوية. لا تنسوا إضافة الغرباء». ومع أن الضيافة ترتبط بالتعب والعطاء والتضحية، لكنها تزيد شركة المؤمنين بعضهم مع بعض، وتنعش الغريب وتعمل على راحته.
والضيافة وصية أوصى بها الرب في الكتاب المقدس بعهديه، ففي العهد القديم نجد التحريض بعدم مضايقة الغريب (خروج22: 21)، وكذلك الاهتمام بالغريب ليأكل ويشبع (تثنية14: 29). وفي العهد الجديد يحرّضنا الروح القدس قائلاً: «عاكفين على إضافة الغرباء» (رومية12: 13)، وكلمة «عاكفين» تعني أن نعمل هذا العمل بمواظبة ونشاط. وأيضًا «لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون» (عبرانيين13: 2)، «كونوا مضيفين بعضكم بعضًا بلا دمدمة» (1بطرس 4: 9)، ويجب أن يكون الأسقف «مضيفًا للغرباء» (1تيموثاوس3: 2)، والأرملة التي تُقدّم لها الكنيسة معونة مالية لا بد أن تكون قد «أضافت الغرباء».
إن القلب الذي فُتح للرب يسوع المسيح بالإيمان، وبالتالي انسكبت محبة الله فيه، لا بد أن يُفتح أيضًا للقديسين لاستضافتهم. وأولاد الله يجب أن يتشبّهوا بأبيهم السماوي الذي هـو «المحب الغريب ليعطيه طعامًا ولباسًا» (تثنية10: 18). ويجب أن لا ننسى أننا ونحن نستقبل أولاد الله الغرباء في بيوتنا فإننا كما لو كنا نستقبل الرب نفسه الذي قال: «كنت غريبًا فآويتموني» (مت25: 35).
ولقد كان لهذه الخدمة أهمية قصوى في الكنيسة الأولى، لأن الاضطهاد تسبّب في طرد مؤمنين من بيوتهم، كما لم يكن بإمكان العديد من القديسين الفقراء أن يدفعوا أجر الإقامة بالفنادق، ولما كانت الكنائس تجتمع في البيوت (كولوسي4: 15) فقد كان من المألوف للضيف الزائر أن يقيم ببساطة في نفس البيت الذي فيه اجتماع الكنيسة.
والضيافة ترتبط بالكرم، ويجب ألا تكون بدافع التفاخر. ويجب أن تكون بلا دمدمة (تذمر)، ربما بسبب الضيق المادي أو ضيق المكان في المنزل أو مشغوليات الحياة الكثيرة يحدث دمدمة من أحد أفراد الأسرة المضيفة، لكن يجب أن نظهر المحبة الصادقة واللطف والمودة الأخوية، والترحيب، والرب عاتب سمعان الفريسي الذي أضافه لكنه لم يرحب به (لوقا7: 44-46). ويجب أن نلاحظ أنه عندما نفتح بيوتنا للغرباء أننا لا نعمل هذا لكي يفتح الآخرون بيوتهم لنا، بل نفعل هذا لمجد الرب، وقد علمنا الرب أنه ينبغي أن نستضيف من هم عاجزون عن أن يردوا لنا هذا المعروف (لوقا14: 12-14).
وفي كلمة الله نجد أمثلة كثيرة عن الاستضافة وأيضًا مكافأة الرب لمن أضاف فمثلاً:
- في تكوين 18 نجد أن إبراهيم رجل الله أضاف الرب والملاكين وهو لا يدرى، وصنع لهم وليمة، ولقد كافأه الرب إذ قال له: «إني أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة امرأتك ابن» فلقد وعده بإعطائه اسحق ابن الموعد.
- وعندما أضافت أرملة صرفة صيدون إيليا رجل الله (1ملوك17) عاشت كل فترة المجاعة في شبع دائمًا؛ لأن كوار الدقيق لم يفرغ وكوز الزيت لم ينقص، وأيضًا أقام إيليا رجل الله ابنها من الموت.
- والمرأة الشونمية كانت تمسك أليشع رجل الله ليأكل خبزًا كلّما عبر في شونم، ثم عملت هي ورجلها له عُلّية ووضعت فيها سريرًا ومنضدة وكرسيًا ومنارة (2ملوك4)؛ فكافأها الرب بابن في شيخوختها، وعندما مات الولد أقامه أليشع رجل الله.
- وعندما ألزم تلميذي عمواس الرب أن يدخل ليمكث معهما عرفاه عند كسر الخبز وكانا يخبران بقيامة المسيح من الأموات (لوقا24).
- وقد ألزمت ليديا، بائعة الأرجوان في فيلبي، بولس ومن معه أن يدخلوا بيتها ويمكثوا، فسجّل الروح القدس اسمها في الكتاب المقـدس (أعمال16). وكـذلك بيت استفاناس الـذين رتبوا أنفسهم لخدمة القديسين (1كورنثوس16: 15). وقال بولس عن غايس إنه «مُضيفي ومضيف الكنيسة كلها» (رومية16: 23). ويقول الرسول يوحنا عن غايس الحبيب: «أيها الحبيب أنت تفعل بالأمانة كل ما تصنعه إلى الإخوة وإلى الغرباء الذين شهدوا بمحبتك أمام الكنيسة...» (3يو5-8).
ليعطنا الرب أن نضيف بعضنا بعضًا بلا دمدمة، والرب الذي وعد بمكافأة من يتعب في تقديم كأس ماء بارد باسمه، كم بالحرى يفعل بمن يضيف الغرباء في بيته، «لأن الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه إذ قد خدمتم القديسين وتخدمونهم» (عبرانيين 6: 10).