كثيرون من البشر يهتمون كثيرًا بالاقتراب إلى الله الحقيقي وبالتمتع بالعِشرة الحقيقية معه، وهذا شيء عظيم، ولكن يأتي تساؤل هام وهو:
ما هي صفات هذا الإله الحقيقي؟ وما هي الشروط الواجب توافرها في من يقترب إليه ويتمتع بالعيشة معه؟
لقد دارت هذه التساؤلات في عقل داود قديمًا لذلك صاح مُتسائلاً: «يا رب مَن يَنزل في مسكنك؟ مَن يسكن في جبل قدسك؟» (مزمور15 :1). ثم يكرر السؤال بطريقة أخرى في (مزمور24: 3) «مَنْ يصعد إلى جبل الرب؟ ومَنْ يقوم في موضع قُدسهِ؟».
يُجيب الله على هذا السؤال بما نقرأه في (إشعياء57: 15) بالقول: «لأنه هكذا قال الله العَلي المرتفع ساكن الأبد القدوس اسمه» وهنا نرى إعلان الله عن نفسه بأنه:
1- العلي المرتفع: فهو العظيم الذي فوق الجميع إنه «الجالس عل كرة الأرض» (إشعياء40 :22). الملائكة النورانيين أمامه يغطّون وجوههم وأرجلهم من هيبته وعظمته (إشعياء6: 1-4). يكتب أيضًا عنه الحكيم في (أمثال21 :1) «قلب الملك في يد الرب كجداول مياه حيثما شاء يميله».
2- ساكن الأبد (الأبدية): إنه مصدر كل شيء، فهو البداية والنهاية قال عن نفسه «أنا هو. أنا الأول وأنا الآخِر، ويديَّ أسست الأرض ويميني نشرت السماوات» (إشعياء 48 :12 ،13).
3- القدوس اسمه: إنه القدوس الذي عيناه أطهر من أن تنظرا إلى الشر (حبقوق1 :13). عندما اقترب موسى قديمًا إلى العليقة المشتعلة بالنار سمع صوت الله قائلاً: «موسى موسى... لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة» (خروج3 :4، 5). كما نرى الملائكة النورانيين في حضرته كل ينادي الآخَر هاتفًا: «قدوس قدوس قدوس» (إشعياء6 :3).
هذا بعضًا مما يعلنه الله عن نفسه لنا، فهل من المعقول أن يقبل اقتراب الإنسان إليه في أيّة حالة؟!
أنت عندما تتقدّم لتتقابل مع شخصية عظيمة لا بد أن تكون في الوضع اللائق بها. فما هي الحالة إذًا التي يجب أن تكون عليها حتى تستطيع التقدم إلى الله وتجد القبول من جهته؟! (انظر مزمور15 :2-5؛ 24 :4).
أولاً: الحالة الشخصية
1- الطاهر اليدين والنقي القلب: أي طهارة الداخل (القلب) وطهارة الخارج (اليدين). وما هو الذي ينجس الإنسان؟ إنها الخطية، وكيف نتطهر من خطايانا؟ مكتوب «ودم يسوع المسيح ابنه يطهِّرنا من كل خطية» (1يوحنا1 :7).
2- السالك بالكمال والعامل بالحق والمتكلم بالصدق في قلبه: أي يحيا حياة الاستقامة الحقيقية في الداخل، كما الخارج، ويبتعد عن الرياء الكاذب. ودستور حياته هو كلمة الله، الحق الحقيقي، وليس مبادئ العالم المحيط به.
3- المنسحق والمتواضع الروح: البعيد عن الكبرياء والتشامخ بل المنكسر دائمًا في محضر الله والمعترف دائمًا بعجزه الشخصي وعدم استحقاقه وباحتياجه الدائم لله.
ثانيًا: العلاقة مع الأصدقاء والأقرباء
1- لا يشي بلسانه ولا يصنع شرًا بصاحبه ولا يحمل تعييرًا على قريبه: يعيش عمليًا مبدأ المحبة الصادقة لإخوته، ضابطًا لسانه في كل كلمة يقولها، مبتعدًا عن كل ما يسبب ضررًا لأخوته.
2- الرذيل مُحتقَر في عينيه ويكرم خائفي الرب: يبتعد عن الشخص غير المنضبط في تصرفاته وأخلاقياته. يحفظ نفسه طاهرًا ويربط نفسه بالذين يدعون الرب من قلب نقي، وهؤلاء هم الذين يحوزون تقديره وإكرامه فيقول دائمًا «القديسون الذين في الأرض والأفاضل كل مسرتي بهم» (مزمور16 :3).
ثالثًا: العلاقة مع العالم الذي نعيش فيه
1- يحلف للضرر ولا يغيّر: يعيش حياة الصدق المستمر، فلا يغيّر كلامه أو وعوده والتزاماته مهما كلّفه الأمر، وحتى لو تسبب ذلك في بعض الضرر له. ويرتفع إلى المستوى الأعلى الذي أوصلنا له الرب يسوع عندما قال «ليكن كلامكم نعم نعم لا لا وما زاد على ذلك فهو من الشرير» (متى5 :37).
2- فضّته لا يعطيها بالربا: متحرر من محبة المال فهو يعلم تمامًا أن «محبة المال أصل لكل الشرور» (1تيموثاوس6 :10). لذلك لا يستخدم ماله أو إمكانياته المادية لاستغلال الآخرين والإضرار بحياتهم، كما لا يأخذ مالاً ليس من حقه مُستغلاً ظروف الآخرين واحتياجاتهم والسلطة التي في يديه، بل يطبّق القول «حسبما لنا فرصة، فلنعمل الخير للجميع» (غلاطية6 :10).
هذه البعض من الصفات الأساسية التي يجب أن تتوفر فينا إذا أردنا أن نقترب إلى حضرة الله فنتمتع بقبوله وبحضرته المستمرة. وبذلك يتحقق فينا وعده الأكيد «الذي يصنع هذا لا يتزعزع إلى الدهر».
ددعونا نرفع طلبة صادقة من قلوبنا قائلين:
«اختبرني يا الله وأعرف قلبي. امتحني واعرف أفكاري. وانظر إن كان فيَّ طريق باطل. واهدني طريقًا أبديًا» (مز139 :23 ،24).