كان في زمانه أغني رجل في العالم، يملك آبارًا للبترول وشركات لتكريره، وسفنًا مخصّصه لنقله، وخطوط أنابيب عبر مناطق شاسعة لنقله أيضًا، بالاضافه إلى فنادق وشركة مالية وشركات طيران وشركة للتأمين على الحياة. أراد هذا الغني أن يحمي ملكيته من الأراضي التي بلغت حوالي 3000 كيلو مترًا مربعًا فأحاطها بالحراس والقضبان الفولاذية والكلاب الوحشية والكشافات الكهربائية بخلاف الأجراس وصفارات الإنذار.
وإذا بحثت داخله ستجده يخاف جدًا من الطائرات والبواخر والمعتوهين، ويخشى المرض والعجز والشيخوخة والموت، ودائمًا يشعر بالكآبة والوحشة؛ وأقرّ أن المال لا يشتري السعادة الحقيقية.
والحقيقة أن المال لا يمكن أن يُشبع صاحبه، فمع أنه قد يرفع عن كاهل الشخص بعض الهموم إلا إنه يجلب معه همومًا أخرى قد تكون أكثر؛ فالتعب يرافق عملية الحصول عليه، والقلق يلازم إمكانية الحفاظ عليه، كما أن استخدامه لا يخلو من تجارب، وسوء استخدامه يقود إلى الشعور بالذنب، وفي خسارته حزن وأسى، والحيرة تصاحب كيفية إنفاقه، وإذا ذهبنا إلى المحاكم سنجد إن غالبية الدعاوى القضائية سببها المال بل محبة المال.
المال أم محبة المال؟
قد يُستخدم المال في خدمة الرب بطرق مختلفة، وكم من أغنياء أكرموا الرب بواسطة أموالهم، فالمال نعمة من عند الرب. والكتاب المقدس، في إنجيل لوقا ص 8، يذكِّرنا ببعض النساء اللواتي كن يخدمن الرب يسوع من أموالهن، هذا هو الوتر الحساس الذي يُعتبر أحد المقاييس الصادقة لدرجة الحرارة الروحية.
للكن آه من محبة المال التي تقود إلى الحسد والسرقة والغش والقمار والنزاع والأنانية والاختلاس والقتل «لأن محبة المال أصلٌ لكل الشرور، الذي إذا ابتغاه قومٌ ضَلّوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة» (1تيموثاوس6: 10).
فالناس في سعيها وراء المال والغنى يهملون الأمور الروحية تمامًا، وأيضًا يطعنون أنفسهم بأوجاع متنوعة؛ مثل الأوجاع المرتبطة بالجشع، والمخاوف التي تربك، وألم خسارة الأبناء عندما ينحرفون وينجرفون في العالم بسبب كثرة المال، وأيضًا الحزن والوجع الذي يأتي من رؤية الغِنى يتوارى في يوم من الأيام، فالغِنى غير مضمون وغير يقيني، وأوصي بولس ابنه في الإيمان تيموثاوس هذه الوصية «أََوصِ الأغنياء في الدهر الحاضر أن لا يستكبروا، ولا يلقوا رجاءهم علي غير يقينية الغني، بل علي الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع» (1تيموثاوس 6: 17).
لم ندخل العالم بشيء
تكون أيدينا فارغة مرتين: الأولي عند الولادة، والثانية عند الموت «لأننا لم ندخل العالم بشيء، وواضح أننالا نقدر أن نخرج منه بشيء» (1تيموثاوس6: 7).
يُحكى عن الإسكندر الأكبر أنه قال قبل موته: “عندما أموت احملوني علي نعش، ويداي غير مربوطتين بأقمشة، بل متدليتان خارجًا حتى يتسنى للجميع أن يروها فارغتين”.
عخان الذي خان
ما كان أسعد عخان لو كان قد رضي بالأثاث البسيط الموجود في خيمته والمال الذي وضعه الرب بين يديه والثروة التي قُسمت له، فتمتع برضى الرب وعاش بالضمير الصالح؛ لكنه لم يكتفِ ولم يقنع، لكنه جرى وراء الغنى والثروة والثياب غالية الثمن والذهب والفضة، إن كل هذا ما هو إلا رماد يزينه الشيطان أمام عيون الناس لكي يعمي أذهانهم عن معرفة الحق ويقودهم إلى الشقاء واللعنة.
رأى عخان بين الغنائم رداءً شنعاريًا نفيسًا، و200 شاقل فضة (نحو كيلو جرامين ونصف) وسبيكة من ذهب وزنها خمسون شاقلاً، فاشتهى كل ذلك، وأخذه ثم طمره في وسط خيمته، لقد عصى عاخان كلام الرب: «وأما أنتم فاحترزوا من الحرام لئلا تُحَرَّموا، وتأخذوا من الحرام وتجعلوا محلة إسرائيل محرَّمةً وتكدِّروها. وكل الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد تكون قُدسًا للرب وتدخل في خزانة الرب» (يشوع6: 18،19). لم يخطر على بال عاخان وهو يأخذ ويطمر في الأرض أن عيني الله تراقبانه، عمل كل هذا وحسب أن الأمر قد انتهى، فقد ظفر بالكثير ولا يهم أي شيء بعد ذلك؛ لكن العين القدوسة تلاحظ وتراقب ولا يخفى عليها خافية.
عاخان وأحد الوديان
هو وادي عخور والذي معنى اسمه “وادي الإزعاج” وإذ سمع عاخان الإعلان من يشوع: «كيف كدّرتنا؟ يكدِّرك الرب في هذا اليوم!» (يشوع7: 25). أصبح عبرة لكل الشبان في كل البلدان، لقد اعتقد أنه في أمان وإذ به في هوان؛ حيث رجمه جميع إسرائيل بالحجارة وأحرقوا عاخان ومن معه بالنيران ورموهم بالحجارة وأقاموا فوقه رجمة حجارة عظيمة.