واحدة من أهم مكوِّنات النفس البشرية.
ومن المعروف أن الإنسان يتكون من روح ونفس وجسـد «ولتُحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم» (1تسالونيكي 5: 23). وإن كان الجسد هو الخيمة الخارجية التي تُعطي الشخص شكله وملامحه وتميّزه عن الآخرين هنا على الأرض؛ والروح هي مركز الإدراك والمعرفة «مَنْ مِنَ الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه؟» (1كورنثوس2: 11)؛ فالنفس هي مركز العواطف والغرائز والرغبات والميول والذكاء، الأمور التي تلعب دورًا رئيسيًا في تكوين شخصية الإنسان، وفي علاقاته.
العواطف هي الشيء الذي يتحرك داخل الإنسان في المواقف المختلفة؛ فمثلاً: عندما يقابل صديق أو حبيب تُسمّى عندئذ "محبة"، وعندما يرى منظرًا جـذّابًا تسمى "إعجاب"، وعندما يسمع صوت موسيقى حزينة مؤثرة تسمى "شجن"، وعند تجاوبه مع الصوت الجميل والشعر تسمى "انسجام"، هي الشيء الذي يفيض في الإنسان عندما ينجح فتسمى "فرح"، والذي يتأجج في داخله عندما يرى طفلاً جذابًا فتسمى "رقة"، وعندما يرى شخصًا ضعيفًا أو مريضًا تسمى "عطف"، أو ينظر إلى محتاج تسمى "شفقة"، وهي الشيء الذي يتجاوب مع معاني ونغمات الأغاني والترانيم ويسمى "نشوة"، والذي يجعل الإنسان يثور عندما يحدث شيء لا يعجبه ويسمى "غضب"، وعندما يشعر أن هناك شيء يهدّده تسمى "خوف"، أو عندما يتعرض لموقف محرج تسمى "خجل".
ومع أن مراكز الشعور العاطفي في الإنسان توجد في المخ، لكنه يشعر بها كموجة تسري في كيانه في منطقة الأحشاء (الصدر والبطن)؛ لذلك فغالبًا ما تُسمى العواطف في الكتاب المقدس بالأحشاء «فأنَّت عليه أحشائي» (نشيد5: 4). فالأحشاء هي المكان الذي يشعر الشخص أن الموجة العاطفية تسري فيه، سواء مُحبَّبة أو مُبغضه، تجعله يتجه إلى الشيء أو الشخص أو يبتعد عنه.
أهمية العواطف
بدون العواطف يصبح الإنسان حجرًا جامدًا، وتصبح الحياة بلا طعم.
العواطف من أروع عطايا الله للإنسان، هي التي تعطي طعمًا لكل شيء في الحياة، والتي تجعل الإنسان يتفاعل مع الأشياء والأشخاص والظروف بمشاعر لها مذاق معين، فهناك أشياء يحبها وأخرى يبغضها، هناك أشياء يفرح بها وأخرى يحزن لأجله. جميع الممارسات والعلاقات يصاحبها عواطف معيَّنة تعطيها طعمه. حتى الأكل والشرب، فالإنسان لا يأكل كماكينة تستهلك الوقود، بل يستمتع بمنظر ورائحة وطعم الأكل، هناك مأكولات مذاقها أحلى من الأخرى، ومأكولات جذّابة عن الأخرى. وعندما وضع الله الأكل أمام الإنسان في الجنة أنبت له من الأرض «كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل» (تكوين2: 9). فالأكل تصاحبه عاطفة مناسبة له.
كما أن العواطف هي إحدى القوَّتين الرئيسيتين في كيان الإنسان واللتين تحركان إرادته؛ وهما: العقل والعاطفة. فالإرادة تتحرك تحت تأثير كليهما إذا توافق. وإذا تعارض العقل مع العاطفة، في هذه الحالة تتحرك الإرادة بالدافـع الأقوى، وغالبًا ما يكون العاطفة في الإنسان العادي.
بعض أفكار عن العواطف
- كل عاطفة يقابلها عكسها؛ فمثلاً عاطفة الحب تتحرك بين قطبين قمة الحب وقمة الكراهية، وهكذا جميع العواطف الأخرى: الحب أو الكراهية، الفرح أو الحزن، الغضب أو الهدوء، الخوف أو الطمان، الخجل أو الجراءة، الرقة أو الخشونة، الشفقة والحنان أو الجفاء، الأشواق والحنين أو النفور، الانفعال والإثارة أو التبلد .. الخ.
- لكن تظل عاطفة الحب لها وضع متميز جدًا بين كل العواطف الأخرى؛ فهي أحلى وأقوى وتعطي أكبر الدوافع التي يتضاءل أمامها أي دافع عاطفي آخر. وبمعونة الرب سنناقشها بالتفصيل في أعداد مقبلة.
- جميع العواطف تغذي بعضها، فالذي يحبه الشخص غالبًا يفرح به، يشتاق إليه، يرق له، يغضب إذا أعاقه شيء عنه.
- في الكتاب بعض المسميات التي تحدث في الأحشاء تعبر عن بعض أنواع العواطف: هي المكان الذي تخرج منه مشاعر الأب والأم تجاه أبنائهم «الذي يخرج من أحشائك» (تكوين15: 4). وهي المكان الذي تحدث فيه الأشواق «أشتاق إلى جميعكم في أحشاء يسوع المسيح» (فيلبي1: 8). والمكان الذي يحوي الرأفات «فالبسو... أحشاء رأفات» (كولوسي3: 12). المكان الذي يستريح فيه المؤمنين بعضهم لبعض «لأن أحشاء القديسين قد استراحت بك أيها الأخ» (فليمون7). وهي المكان الذي يحدث فيه الألم والأنين «فأنّت عليه أحشائي» (نشيد5: 4 - انظر أيضًا 2كورنثوس6: 12؛ 7: 15).
لكن ماذا فعلت الخطية في العواطف؟
وما هي خصائص النشاط العاطفي في سن المراهقة؟ هذا هو موضوعنا العدد القادم بمشيئة الرب.