على مرّ العصور حتى في أحلك أوقات الظلمة حين عم الفساد والظلم وبدا أن حق الله قد توارى، فإن الله لم يترك نفسه بلا شاهد عن شخصه وعمله ونعمته. فحينما ظن إيليا أنه بقي وحده يواجه شر إيزابل وآخاب (ملوك الأول 19: 10) أجابه الرب بأنه أبقى لنفسه سبعة آلاف ركبة لم تَجثُ لبعل، في مملكة إسرائيل فى أشر أوقاتها بعدما كانت قد ذهبت وراء الأصنام.
وهكذا في كل تاريخ الكنيسة فإن للرب شهوده الأمناء المكرسين له، المُحبين لكلمته، الذين كانت لهم الحياة هي المسيح والموت هو ربح (فيلبى1: 21). ومن هؤلاء الأفاضل :
ســافونا رولا
* مولده ونشأته:
ولد من عائلة شهيرة في مدينة فرار بايطاليا عام 1452م. وقد ظهر فيه منذ صباه أحاسيس تقوية ومشاعر روحية عميقة. وفي العام الحادى والعشرين من عمره ترك العالم ليختلي في تأمل مع الله.
* سافونا وكلمة الله:
وقد كرّس سافونا نفسه لدراسة الكتب المقدسة بصلوات مستمرة وأصوام وتذلل. ويظهر أن اهتمامه الأكبر اتجه إلى الأسفار النبوية وخاصة سفر الرؤيا الذي شغف بتفسيره، وبعد أن صرف سبع سنوات في دير في بولونيا نُقل إلى فلورنسا بايطاليا وهناك تمت رسامته لخدمة شعب الرب، وعندئذ أدخل للكنيسة اصلاحات عظيمة، ولقد كان سافونا مبشرًا عظيمًا إلا أنه جمع بين صفة المبشر وصفة المُصلح.
* سافونا رولا والاصلاح:
كان الاصلاح شعار وغرض سافونا رولا الوحيد، اصلاح في نظام الكنيسة وفي أخلاق رجال الدين في ذلك الوقت نظرًا لِما تسرَّب أليهم من روح عالمية، وفي أدب المجتمع بصفة عامة. كان ينوح على البرود الروحي الذي تميّز به ذلك العصر، كان يقول «أن صورة الدين الخارجية البرّاقة قد غطت على الحالة الروحية الداخلية وأفسدتها» .
وقد كان قويًا مؤثرًا في فصاحته حتى إن الجماهير آمنت برسالته السماوية وسرعان ما ظهر تأثيرها في حياة الناس الأدبية وظهر ذلك في بساطة مظهرهم ووداعة أحاديثهم، وتزاحم الناس على كاتدرائية فلورنسا يستمعون إلى مواعظه النبوية التي كانت توضح طرق معاملات الله طبقًا للمبادئ المُعلنة في الكتاب المقدس .
* الخلاص بالنعمة:
وكان يؤمن أن الخلاص بالنعمة ولا يستطيع أحد أن يفتخر بنفسه أو يخلص بقوته أو ممارساته الطقسية مما أثار عليه رجال الكنيسة وحاول البابا بالحيلة أن يستدرجه إلى روما مُستخدمًا أدق العبارات وأعمقها توددًا بحجة أنه يشتاق أن يتأمل معه في مواهبه النبوية ولكنه اعتذر عن تلك الدعوة كما رفض أيضًا وظيفة كاردينال لكي يستمر مجاهدًا معلمًا بإنجيل المسيح .
* اضطهاده وحكم الإعدام:
وهنا انفجرت التهديدات والتحريمات ضد سافونا رولا الذي دُعي » زارع التعاليم الضالة « وفي عام 1498م أُلقى القبض على سافونا وصديقيه دومينيك وسلفستر وزج بهم في السجن حيث تعرضوا لمختلف أنواع التعذيب. وقد كان من أثر أتعاب سافونا رولا وعيشته التقشفية أن ضعف جهازه العصبي بحيث أصبح غير قادر على احتمال الآلام التي كانت توقع عليه.
وأتى حكم الإدانة من روما وفي اليوم التالي سيق السجناء الثلاثة إلى الإعدام حيث شُنقوا أولًا ثم بعد ذلك أحرقوهم وجمعوا رمادهم وألقوا به في نهر الارتو وهكذا انطلق ليكون مع المسيح بعد أن شهد لنعمة سيده.