كنت أظن أني سأكون قاسيًا وأنا أتناول هذا اللون، لكن وجدت أن الكتاب المقدس يحمل له جمالاً لاقُبحًا ( لا لأني أكتب هذه المرة من السودان، فصاحب الكتاب ليس عنده محاباة - رومية2: 11). صحيح قد لا نرى في الطبيعة زهوراً سوداء، لكن نرى في الكتاب عروساً جميلة رغم أنها سوداء، ونرى عريسًا أبرع جمالاً قصصه مسترسلة حالكة كالغراب (أي سوداء). وهل ننسى قوة، ورقة شخص اسمه عبد ملك الكوشي (وكوش تعني أسود)، يوم أن أخرج النبي العجوز إرميا من الجُبّ والوحل؟ بل وهناك العديد، والمفيد، من الدروس ينطق بها هذا اللون؛ منها:
1- هو لون التميز والوضوح وعدم المواربة:
عندما يحط غرابًا بين الطيور البيضاء لا شك أننا نراه بوضوح، فهو لا يتلون. وهكذا «أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس» (1يوحنا3: 10). إن الرب يبغض الشخص غير الواضح، والذي يظهر بلونين وله رأيين. لذلك يقول لأنك «لست بارداً ولا حارً... أنا مزمع أن أتقيّأك من فمي» (رؤيا3: 15 ،16). هؤلاءتجدهم يعرجون بين الفرقتين، في وسط المرنمين يرنمون، وفي حفلات أهل العالم يغنون ويرقصون، إنهم في المقدمة دائماً.. هؤلاء يقول لهم الرب: «اغتسلوا، تنقوا، اعزلوا شر أفعالكم من أمام عينيَّ» (إشعياء1: 16).
2- نرى فيه نعمة الله الغنية والمغيرة :
تقول العروس في سفر نشيد الأنشاد: «أنا سوداء» (نشيد1: 5)، و هكذا نحن جميعاً بالاستقلال عن نعمة إلهنا المخلِّصة. فأمام الرب وفي محضره ينكشف الإنسان، ويدرك حقيقة ذاته، بذلك اعترف النبي في العهد القديم «ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين» (إشعياء6: 5). وهكذا أقرّ الرسول في العهد الجديد «اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ» (لوقا5: 8). إن نعمة الله تحوِّل السوداء كخيام قيدار (معناه ذو الجلد الأسود، وهو احد أبناء إسماعيل) إلى شُقَق سليمان، وهل يوجد أجمل من البيت الذي بناه سليمان، الذي عندما رأته ملكة سَبَا لم تبق فيها روح بعد. (2أخبار9: 3،4). وإن كانت شُقَق سليمان تعني حجاب الهيكل، الذي هو رمز بديع لناسوت ربنا يسوع المسيح، فنكون بحق أمام الجمال والكمال عينه. أما الذين يرفضون النعمة، فلا يبقى أمامهم سوى النقمة والضيق، بل وسوف يصرخون «جلودنا اسودت كتنور من جرى نيران الجوع» (مراثي5: 10).
3- لون القوة والشباب وعدم التغير:
إذا كان شعرك أسود اللون، فأنت من الشباب (وإليك نكتب). وإذا ابيضّ شعرك فأنت من الشيوخ الذين نعتز كثيرًا بهم. أما حبيبنا فيُوصف بأن: «قصصه مسترسلة حالكة (سوداء)» (نشيد5: 11)، أي في نضارة وقوة الشباب، فهو ليس كإفرايم الذي «رُشّ عليه الشيب وهو لا يعرف» (هوشع7: 9)، بل هو: القديم الأيام، ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل (ميخا5: 2)، رآه يوحنا كالقاضي يمشي في وسط المناير الذهبية رأسه وشعره أبيضان (رؤيا1: 14)، لكن لا السنون ولا الدهور تؤثِّر على نضارته، «يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد» (عبرانيين13: 8)، بل «الأرض والسماوات... تبيد، ولكن أنت تبقى، وكلها كثوب تبلى، وكرداء تطويها فتتغير؛ ولكن أنت أنت وسنوك لن تفنى» (عبرانيين1 : 10-12). إنه «الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر» (رؤيا22: 13).
4- المسيحية لكل العالم وليست عنصرية:
المسيح لا يميّز بين أبيض أو أسود لأنه: «ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حُر، ليس ذكر ولا أنثى، لأنكم جميعًا واحدٌ في المسيح يسوع» (غلاطيه3: 28). إن أول من ضُرب بالبرَص هي مريم أخت موسى لأنها تكلّمت على موسى بسبب المرأه الكوشية التي تزوجه. ولقد كان اليهود لا يعاملون السامريين، لذلك ضرب المسيح أروع مثل في محبته لهم فتكلم مع إمرأة سامرية (يوحنا4)، وشبّه نفسه بالسامري الرحيم (لوقا10)، وعندما اتهموه بأنه سامري وبه شيطان، أجاب أنه ليس به شيطانًا، و لم يقل أنه ليس سامريًا، لئلا يجرح السامريين.
5- إيمان نعم، تفاؤل وتشاؤم لا:
لا نعتقد أن إيليا كان يتشاءم من الغراب، بل على العكس كان يستبشر به لأنه كان يحضر له خبزًا ولحمًا صباحًا ومساءً، بل إذا اسودَّت السماء جاء المطر(1ملوك 18: 45). وإن نبَت شعر أسود في المكان المصاب بالبرص يحكم الكاهن بطهارة الأبرص (لاويين13: 37). حتى أن «كوش تسرع بيديها إلى الله» (مزمور68: 31). فالمسيحي لا يتفاءل ولا يتشاءم كالوثنيين، لا بالأرقام، ولا بالألوان، لأننا «بالإيمان نسلك لا بالعيان»، بل يشكر في كل الظروف وعلى كل شيء، وتسمعه ينشد ويقول: «نصيبي هو الرب قالت نفسي، من أجل ذلك أرجوه. طيب هو الرب للذين يترجونه، للنفس التي تطلبه» (مراثي3: 24 ،25).
عزيزي القارئ الكريم:
إننا نعيش في عالم مظلم، يشبَّه بشخص أعمى يحاول أن يمسك بقطة سوداء في غرفة مظلمة. وفي الظلام تتساوى جميع الألوان. لكن أليس قبس من نور؟ أم ليس هناك ضياء؟ بلى، فهاك المسيح النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان. لقد صرخ إليه بارتيماوس الأعمى فأَبصر، وكثيرون غيره أتوا إليه فأبصرو. فهل تأتي أنت أيضًا إليه؟ وأرجو أن لا تنسى هذه الحقيقة: «وهذه هي الدينونة: أن النور قد جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة. لأن كل من يعمل السيّآت يبغض النور، ولا يأتي إلى النور لئلا توبَّخ أعماله. وأما من يفعل الحق فيُقبل إلى النور لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة» (يوحنا3: 19-21).