لئلا تفنوا بعضكم بعضًا

«فإذا كنتم تنهشون وتأكلون بعضكم بعضًا، فانظروا لئلا تفنوا بعضكم بعضًا» (غلاطية5: 15).

 

هل سمعت مرة بحية تأكل حية أخرى؟

إن العاملين في حدائق الحيوانات يؤكدون أنه أحيانًا تقبض اثنتان من الحيات على طرفي كتلة واحدة من الطعام، وعاجلاً أو آجلاً تصلان إلى التنازع على القضمة الأخيرة، فتحصل المفاجأه، فالأفعى الأوسع حلقًا تواصل النهش حتى تبتلع الأفعى الأخرى فعلاً.

وقد يحدث - للأسف - للمؤمنين بالمسيح أن يفني أحدهم الآخر أيضً. فربما قلنا لواحد من إخوتنا كلامًا قاسيًا فيهب للدفاع عن نفسه، وينشب جدال حامٍ. أو قد يحدث نزاع بين المؤمنين فيفلت الزمام وتُفقد السيطرة على الكلمات والأفعال فتتأذى مشاعر الآخرين تُدمَّر الصداقات، وتضعف المحبة، وتنقسم الكنائس ويقاسي جسد المسيح كثيرً.

ويجب أن نلاحظ أنه عندما ننهش ونأكل بعضًا البعض فالنتيجة هي فَناء بعضنا البعض والصورة هنا هي للحيوانات المفترسة التي تهاجم بعضها البعض، وهذا هدف العدو الذي يزرع خصومات بين الإخوة لكي نتباعد بعضنا عن بعض والنتيجة هي الخراب كما قال رب المجد: «بيت منقسم على ذاته لا يثبت» (متى12: 25).

وهذا حدث عندما انتصر يفتاح على بني عمون، فاجتمع رجال أفرايم وقالوا ليفتاح: «لماذا عبرت لمحاربة بني عمون ولم تدعنا للذهاب معك؟» وتكلموا معه بجفاء وخشونة وقالوا له: «نحرق بيتك عليك بنار»، فبدأت المعركة وجمع يفتاح كل رجال جلعاد وحارب أفرايم، فسقط في ذلك اليوم من أفرايم أثنان وأربعون ألفًا (قضاة12). إنها خسارة كبيرة بين شعب الله، لقد أفنوا بعضهم البعض بسبب اللسان اللاذع والكلام الموجع والذات البغيضة والكبرياء

والأنانية وروح التنافس. ليحفظنا الرب من هذ. ولقد قال أحد الأحباء: "أن تعضّ على لسانك خير من أن تعض الآخرين".

وأيضًا عندما خرج اثنا عشر رجلاً من عبيد إيشبوشث بن شاول ضد اثني عشر رجل من عبيد داود لكي يتعاركوا، وأمسك كل واحد برأس صاحبه، وضرب سيفه في جنب صاحبه. فماذا كانت النتيجة؟ لقد سقطوا جميعً. وبدأت المعركة بين الطرفين وكان القتال شديدًا جدًا في ذلك اليوم، ففُقد من عبيد داود تسعة عشر رجلاً وعسائيل، ومات من عبيد إيشبوشث ثلاث مائة وستون رجلاً حتى نادى أبنير رئيس جيش ايشبوشث يوآب رئيس جيش داود وقال: «هل إلى الأبد يأكل السيف؟ ألم تعلم أنها تكون مرارة في الأخير؟» (2صموئيل2: 12-32). وبحق عندما يتصارع الإخوة معًا فإنهم يسقطون جميعًا .. فليحفظنا الرب.

حكى مرسل قصة تيسين معزى تقابلا على ممر جبلي ضيق، وكان من جهة وادٍ سحيق ومن الجهة الأخرى رؤوس صخور مسننة قاتلة، ولم يستطع تيسا المعزى أن يتراجعا دون التعرض للسقوط، فماذا يفعلان يا تُرى؟ أخيرًا، بدل التعارك لانتزاع حق المرور، انحنى أحد التيسين ومدد جسمه بقدر المستطاع، فما كان من التيس الآخر إلا أن مشى عليه ثم تابع كلاهما طريقه بأمان.

ليتنا نتعلم كيف نتواضع بكفاية حتى ندع الآخرين يمشون علينا إذا دعت الحاجة، وهذا ليس علامة ضعف بل دليل قوة وتواضع حق، فتَصَرّف مثل هذا يجلب التمجيد لاسم المسيح.

أخي.. أختي.. ليتنا لا ننسى أننا كمؤمنين بالرب يسوع المسيح صرنا خِرافه الغالية على قلبه إذ يقول عنا: «خِرافي» (يوحنا10: 27) وأيضًا «حِملان» (لوقا10: 3)، والخِراف والحِملان هي حيوانات غير مفترسة ولكنها وديعة ومسالمة؛ لذلك يحفظنا الرب من أعمال الجسد لكي لا ننهش أو نأكل بعضنا البعض، بل يعطينا أن نمتلئ دائمًا من الروح القدس، وذلك من خلال الشبع بالرب وقراءة كلمته يوميًا والصلاة كل حين، والنتيجة أن ثمر الروح يظهر فينا؛ فنحب بعضنا البعض، ونحتمل بعضنا البعض، ونَقبَل بعضنا البعض، ونكون لطفاء بعضنا نحو بعض شفوقين متسامحين، ونعيش حياتنا لمجد ربنا يسوع المسيح في محبته وسلام مع كل القديسين وكل الناس.