(2) عندما لا نفهم
تحدّثنا في المرة السابقة عن كيف يتكلم الله إلينا في الوقت الحاضر ويقودنا في الطريق الصحيح. فقد وعد قائلاً «أعلمك وأرشدك الطريق التي تسلكه. أنصحك. عيني عليك» (مزمور32: 8). ورأينا أنه أعلن مشيئته بصفة عامة في الكتاب المقدس، ويعلن مشيئته الخاصة عن طريق الروح القدس الساكن فينا، حيث يترك بداخلنا انطباعات بالراحة والسلام والفرح والتشجيع في الأمر الذي بحسب فكره الصحيح، وعكس ذلك في ما ليس بحسب فكره. وهذه الانطباعات تزداد شيئًا فشيئًا كلما جلسنا أمام الرب في صلاة بصدق وإخلاص.
ولكن ماذا لو لم نميّز بوضوح صوت الرب، أو اختلطت المشاعر بين الرغبات الشخصية وبين إرادة الرب؟ وماذا لو كان فهمنا للأمر خاطئًا على قدر إدراكنا البسيط؟ هل سيتركنا الرب نسير في هذا الطريق الذي اعتقدنا أنه الطريق الصحيح؟ كل. إنه في محبته العطوفة المترفقة سيمسك بأيدينا ويهدي أقدامنا ويصحِّح مسارن. وهو لن يتخلى عن شخص مُخْلِص يسير في بساطة الإيمان ويتلمس الفكر الإلهي الصحيح، ويخاف أن يخطئ في القرار أو الاختيار. لا يمكن أن الله يُفَشِّل مثل هذا الشخص.
إنه عن طريق أعمال العناية والظروف المحيطة سيؤكِّد لنا فكره الصحيح. سيسمح بأشياء أو مواقف مُعيَّنة تحدث أمامنا، أو يرسل لنا أصواتًا عن طريق أشخاص، ربما لا يعرفون شيئًا عما نفكر فيه ويسبب لنا الحيرة. وقد يكون ذلك من خلال خدمة روحية في الاجتماع تجيب عن التساؤل الذي بداخلنا، وتؤكد لنا الانطباعات الأوّلية التي تولدت فينا ونحن نُصلي. وقد تتكرر هذه المواقف والأحداث والأصوات بأشكال مختلفة. لكنها ستحمل لنا نفس الرسالة بوضوح. والنتيجة أنها ستعطينا مزيدًا من الراحة والسلام والطمأنينة والتشجيع والشعور بالمصادقة الإلهية على هذا القرار أو الاختيار.
ولكن لنحذر من أن ننقاد بالظروف فقط، أو بموقف واحد فقط، خاصة إذا كان ذلك متفقًا مع رغباتنا الشخصية. ولنذكر أن يونان في يومه، عندما قرّر أن يذهب إلى ترشيش هروبًا من الرب، نزل إلى يافا ووجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش. ولم تكن هذه قيادة إلهية على الإطلاق.
وعلى الجانب الآخر، رغم أن العلامة التي وضعها عبد إبراهيم قد تحققت في رفقة بصورة مُذهلة، لكنه لم يتسرع في القرار بل كان متأنيًا واثقًا في أمانة الله وسلطانه وصلاحه. لهذا كان يتفرس في الفتاة صامتًا ليعلم أأنجح الرب طريقه أم ل. وحتى بعد أن وصل إلى بيت رفقة وقصّ عليهم كل ما حدث قال: «إن كانتم تصنعون معروفًا وأمانة إلى سيدي فأخبروني، وإلا فأخبروني لأنصرف يمينًا أو شمالاً» (تكوين24: 49). كان يثق أنه سيستلم الفتاة من يد الرب، والذي من الرب لا بد أن يثبت. وهو لن يقبل شيئًا ليس من الرب حتى لو كان برّاقًا للعين الطبيعية.
وبعد كل ذلك هناك احتمال للخطإ وعدم الفهم الصحيح. فهل سيتركنا الرب إذا أظهرنا الكثير من الغباء والبلادة والبطء في الفهم؟ كل. لهذا يقول: «لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم؛ بلجام و زمام زينته...» (مزمور32: 9). فالله عنده اللجام والزمام لكي يصحِّح مسارن. فعندما يرانا مندفعين في طريق خطإ، سيتدخَل ويمنع جموحن. إنها أعمال العناية العائقة التي تغلق الطريق أمامنا و تُحبِط وتُفشِّل ما خططناه بجهلن. أو قد يلزمنا بشيء تردَّدنا كثيرًا فيه ولم نكن ننوي أن نفعله. لكن هذا الأسلوب من المعاملات مُكَلّف، وقد يسبب بعض الألم أو الخسارة. لكنه أرحم بكثير من أن يتركنا نسير للنهاية في الطريق الخطإ، فنفقد خطة الله في حياتن. وهو يتدخل بهذا الأ سلوب مع الأشخاص الُمخلِصين لكنهم مخدوعين أو أغبياء و غير فاهمين.
أما الأشخاص المعاندين والمُصرّين على فعل إرادتهم الذاتية ولا يهمهم أن يعيشوا في الخطة للإلهية لهم، وقد فشلت معهم كل المعاملات، فإن الله سيسلمهم لذواتهم ورغباتهم وسيعطيهم شهوة قلوبهم التي أصروا عليها، وسيتعلمون أن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا، وأن العناد مُكَلِّف جدً.
فليحفظنا الرب طائعين لكي ننال فيض البركات السماوية ونحظي بابتسامة الرضى اللإلهية.