ما أروع وأعظم هذا السفر "سفر الخروج" والذي تتكرر فيه كلمة "اسم" ومشتقاتها
أكثر من 35 مرة.
وإن كان سفر التكوين، سفر الحياة، ينتهي بالموت والتحنيط، فيوسف موضوع في تابوت
في مصر، فهذا ليس بغريب، لأنه بآدم دخلت الخطية إلى العالم وهكذا اجتاز الموت إلى
جميع الناس إذ أخطأ الجميع.
لكن الجميل والرائع أن السفر الذي يلي سفر التكوين بعد هذه النهاية المأساوية، هو سفر الخروج سفر الفداء، فنحن لا نقرأ مطلقًا كلمة «فداء» أو مشتقاتها في سفر التكوين لكن أول مرة نقرأ فيها هذه الكلمة في خروج13: 13. فسفر الخروج هو سفر الفداء؛ وما أروع أن يبدأ بهذه الكلمات الخالدة «وهذه أسماء...»، فقد تم فداؤنا كلٍّ باسمه.
وتعالوا لنتجول في هذا السفر.
عندما
ذهب رجل من بيت لاوي اسمه "عمرام" وتزوج بـ"يوكابد" انجبا ابنًا (خروج2: 1 ،2 مع 6:
20)، ولكن لم يعطياه أي اسم، فكيف يعطياه اسمًا والأمر الملكي الفرعوني صادر إلى
جميع شعبه أن يطرحوا كل ابن عبراني يولد في نهر النيل.
لكن الطفل الذي كان بلا اسم أصبح له اسم رائع وهو: «موسى»، فبعد أن تمتع بالخلاص
من مياه الغضب والدينونة، وتم انتشاله، تمت تسميته بهذا الاسم والذي معناه
"مُنتشَل".
للرب أسماء متعددة في هذا السفر منها «يهوه» (خروج3: 15). وعندما بنى موسى مذبحًا بعد هزيمة عماليق وقومه بحد السيف دعا اسمه «يهوه نسّي» (خروج 17: 15) أي "الرب رايتي". وأيضًا اسمه «غيور» (خروج34: 14) فهو يغار على مجده وعلى اسمه.
وعندما سأل موسى الرب عن اسمه لكي يخبر به بني إسرائيل «فقال الله لموسى أهيه الذي
أهيه» (خروج3: 14).
هو اسم مليء بالمعاني والدلالات من ضمنها: "أكون الذي أكون"، "الكائن"، "السرمدي"، "القائم بذاته"، "الواجب الوجود"، "الغير المتغير". وفي هذا الاسم العظيم (والذي يعني أيضًا يهوه) نرى الله الذي فيه كل احتياجنا؛ فهو (طبقًا للغات الأصلية) «يهوه يرأه» (تكوين 22: 14) أي الرب يرى ويجهز كل ما هو ضروري ولازم لن. وهو "يهوه رافا" أي «الرب شافيك» (خروج15: 26) فهو الشافي روحيًا وجسديًا ونفسيً.
و«يهوه شلوم» (قضاة6: 24) أي يهوه سلام أي مصدر السلام الحقيقي، "يهوه راواه" أي
«الرب راعيّ» (مزمور23: 1) أي يهوه يغذي ويشبع النفس والقلب.
مسة ومريبة (خروج17: 7)
حيث يُرى الإنسان على حقيقته، فقلبه شرير وسريع التقلب والتذمر، فبعدما صار الماء عذبًا في نهاية ص15، وبعد ما أكلوا السلوى والمن في ص16، إذ بهم في ص17 يجربون الرب قائلين: «أ في وسطنا الرب أم لا؟»، ويخاصمون موسى. ولكن الرب العظيم، في محبته وقدرته، يطلب من موسى أن يضرب الصخرة فيخرج منها ماء ليشرب الشعب. ودعا موسى اسم ذلك الموضع «مسة ومريبة» أي "تجربة ومخاصمة"...
آه من هؤلاء الذين رأوا مجد الرب وآياته التي عملها في مصر وفي البرية، وإذ بهم
يجرِّبون الرب عشر مرات (عدد14: 22).
أولاً: في فكر الرب
فهو يعرف اسماؤنا من الأزل السحيق، والأفكار التي هو متفكر بها من جهتنا هي أفكار خير وسلام. وما أعجب قول الرب لموسى في هذا السفر «عرفتك باسمك» (خروج33: 17).
حقًا ما أعظم هذا الراعي الذي يدعو خرافه الخاصة بأسماء (يوحنا10: 3) وما أعجب قول
الرب يسوع: «افرحوا بالحري أن أسماءكم كُتبت في السماوات» (لوقا10: 20).
ثانيًا: على كتفيه
عندما نقرأ خروج28، نجد الثياب المقدسة للمجد والبهاء لرئيس الكهنة هارون، والذي يذكرنا برئيس الكهنة الأعظم الرب يسوع المسيح. كانت هذه الثياب من رداء يصنع من خيوط رقيقة من الذهب مع خيوط الاسمانجوني زرقاء اللون، والأرجوان بنفسجية اللون، وخيوط القرمز حمراء اللون، وخيوط الكتان الأبيض (والمسماة البوص المبروم). ولهذا الرداء كتفان موصولان، وعلى كل كتف حجر كريم ثمين اسمه «حجر الجزع»، وكان يُنقش على هذين الحجرين اسماء اسباط بني إسرائيل بحسب تواريخ ميلادهم.
وليس ذلك فقط بل حول كل حجر طوق من الذهب وعليه سلسلة من الذهب الخالص مبروم كحبل
مضفر.
يا للروعة أن أسماءنا منقوشة على كتفي الكاهن العظيم؛ ولتسمع ماذا يقول الرب لشعبه: «...المُحمَّلين عليّ من البطن المحمولين من الرحم، وإلى الشيخوخة أنا هو، وإلى الشيبة أنا أحمل. قد فعلت وأنا أرفع وأنا أحمل وأنجّي» (إشعياء46: 3 ، 4).
حقًا انها كتفيه وفيهما نرى قوته وقدرته.
ثالثًا: على قلبه وصدره
فقد كان يُكلّف أمهر الخياطين بصناعة صدرة القضاء، مثل الرداء من خيوط الذهب واسمانجونية وارجوان وقرمز وبوص مبروم، على أن تكون متنية من طبقتين طولها شبر وعرضها شبر، ويوضع بها 12 نوعًا من الحجارة الكريمة 4 صفوف * 3. وكان يُنقش على كل حجر كريم اسم من أسباط بني إسرائيل. مع أخذ احتياطات دقيقة لتثبيت هذ الصدرة على قلب هارون.
وهكذا الحال بالنسبة لنا مع الرب يسوع؛ نحن لسنا في فكره فقط، أو على كتفه فحسب، بل
على صدره وقلبه، حيث المحبة الدافئة التي لا مثيل له.