منذ عدة سنوات، وفي ألمانيا، كان شاب ممدَّدًا على طاولة العمليات، وكان بالقرب منه جرّاح شهير، وحوله مجموعة من الأطباء. قال الجرّاح للمريض: "إذا أردت أن تقول شيئًا قبل أن نعطيك المخدّر، فالآن هي فرصتك، لأني ينبغي أن أنبّهك إلى أن ما ستقوله سيكون آخر كلمات ستنطق بها في هذا العالم". وفهم الشاب الأمر لأن لسانه كان سيُستأصل بسبب السرطان.
عزيزي: أتعرف أيَّ كلمات اختار ذلك الشاب لتلك المناسبة؟! لقد ارتسم السلام والهدوء على وجهه، وأغمض عينيه، وسكب قلبه في صلاة قصيرة عبَّرت عن مشاعره الدفينة الكامنة في داخله، إذ قال: "أبي السماوي، أشكرك من أجل الرب يسوع المسيح، العطيّة التي لا يُعَبَّرُ عنها، ذاك الذي أحبّني، ومن عُظم حُبّه ليَّ، مات على الصليب لكي يخلّصني، وهو الآن حيٌّ لكي يحفظني. آمين".
لقد كان هذا الشاب يعلَم أن الله لم يخطئ حينما قال: «اشكروا في كل شيءٍ، لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم» (1تسالونيكي5: 18)، وأيضًا «شاكرين كل حينٍ، على كل شيءٍ، في اسم ربنا يسوع، لله والآب» (أفسس5: 20). فإن إعطاء الشكر للرب، في كل ظرف ومناسبة، هو العلاج الإلهي لمشاكلنا حتى في ظروف المحن والتجارب.
وكانت "چودي" تُعاني من ورم خبيث في المخ يستدعي إجراء جراحة دقيقة. وقد أُجريت العملية الخطيرة في قاعة العمليات الجراحية بمستشفى تابع لإحدى الجامعات الأمريكية، وحضرها أطباء وطلاّب طبٍّ كثيرون. وقبيل إجراء العملية، سأل الجرّاح چودي: "هل تريدين شيئًا؟ ألديك أية أسئلة؟". فأجابت، وقد ملأت الابتسامة مُحياها: "أتأذن لي أن أصلي لدقائق معدودة؟".
وبوجه ارتسم عليه السلام والهدوء وملامح الخضوع والتسليم الكامل لإرادة الله ومشيئته، رفعت قلبها في صلاة قصيرة، قائلة: "يا رب يسوع المسيح، أشكرك من أجل محبتك التي لا تتغير، ومن أجل حكمتك التي لا تخطئ، ومن أجل ما سمحت لي به من مرض، وأشكرك من أجل الطبيب الذي سيجري لي العملية، أطلب منك يا رب أن تعطيه حكمة في إجرائها، بل إني استودع العملية كلها بين يديك لتفعل بي ما يحسن في عينيك. آمين".
ويومذاك نجحت العملية ووُهبت چودي عمرًا جديدًا، وتسنّى لأولئك الأطباء أن ينظروا عيانًا عمل الإيمان في الإله الحي الحقيقي.
ولما دُفع خادم الرب "مارك آترمب" إلى غرفة العمليات على السرير المتحرك، إثر تعرضه لحادثة خطيرة، قال لعائلته الملتفة من حوله: "اشكروا الرب، وتذكروا أن رومية 8: 28 مازالت موجودة في الكتاب المقدس". نعم «ونحن نَعْلَمُ أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوّون حسب قصده».
عزيزي المؤمن:
هل تواجهك الصعوبات؟.. هل تبدو الظروف وكأنها تعمل ضدك؟.. هل أنت متألم؟.. حزين؟.. مكتئب؟.. مفلس؟.. منهار؟.. يائس؟.. صغير النفس؟
ولكن هل تركك الله بلا أية بركة منه أو أي ينبوع فيه يستحق أن تشكره وتسبحه لأجله؟! تذكّر ما عمله الرب من أجلك على الصليب، وكيف أنه ما زال يعمل فيك بروحه القدوس. تذكّر أن محبته لك قوية وثابتة، وأنه لن يتركك ولن يهملك، وهو يريد أن يعطيك قوة ونصرة وغلبة. فاجتهد أن تشكر الرب، وحاول أن تسبح الله. خذ كل أحزانك إلى الله واخبره بكل ما يؤلمك ويفشّلك. اسكب قلبك قدامه، وافسح له المجال ليُريك غرضه من كل هذه. ولكن لا تنصرف قبل أن تشكره على كل البركات التي لك منه، وبصفة خاصة على بركة قربك إليه كأبيك الذي يهتم بك شخصيًا، والذي تستطيع أن تأتي إليه بكل تجاربك. عدّد بركاته واشكره عليها واحدة واحدة «اشكروا في كل شيءٍ» (1تسالونيكي5: 18). اجتهد أن تفعل ذلك فتحصل معك عجائب إذ يتحول تذمرك إلى تسبيح وحزنك إلى فرح.
يُحكى أن "متّى هنري" - خادم الرب المعروف - كان ذات يومٍ في طريقه إلى الاجتماع، عندما تعرّض لحادثة سطو من بعض اللصوص. وما أن وصل إلى الاجتماع حتى التف الإخوة حوله ليستفسروا عن تفاصيل ما جرى، فقال لهم: دعوني الآن أدخل لأصلي وأشكر الرب أولاً. فسأله البعض باندهاش: "لأجل أي شيء ستشكر الرب؟!". فقال بلهجة جادة: "إن عندي الكثير لأشكر الرب عليه الآن:
أولاً: لأنني لم أتعرض للسرقة من قبل، لقد كانت هذه أول مرة أتعرض فيها للسلب.
وثانيًا: لأن اللصوص أخذوا محفظة نقودي ولم يأخذوا حياتي.
وثالثًا: لأن اللصوص أخذوا كل ما عندي - هذا صحيح - إلا أنه لم يكن كثيرً.
ورابعًا: لأنني كنت أنا المسلوب ولم أكن أنا اللص! فمن الأفضل أن يكون المرء ضحية إنسان شرير من أن يكون هو نفسه شريرًا يرزح تحت غضب الله ودينونته!".
أحبائي: ما أكثر الأشياء التي لنا لنشكر الرب عليها حتى في وسط الضيقات. وفضلاً على ذلك فإن نفس المشقات التي يسمح الرب بها هي مُرسلة منه لخيرنا الروحي، لذلك يجب علينا أن نشكره حتى على نفس ضيقات الحياة حيث أنها تُشعرنا باحتياجنا إليه وتقربنا إلى المسيح أكثر فأكثر، وهي بمثابة سلالم لازمة لكي تصل بنا إلى مستوى روحي أرفع.
فلندرب أنفسنا على الشكر والتسبيح «أُبارك الرب في كل حينٍ. دائمًا تسبيحه في فمي» (مزمور34: 1).
عزيزي: جرِّب الشكر، فإن الشكر يُغيّر الأمور ويُبدّل الأحوال.