يارب كم مرة يخطئ إلي أخي وأنا أغفر له ؟
سؤال هام وجَّهه بطرس التلميذ إلى معلمه الرب يسوع، عندما سمعه يتكلم عن طريقة التصرف الصحيح عندما يخطئ إليَّ أخي. ودعونا نناقش هذا الموضوع ونرى ماذا قال الرب يسوع في هذا الأمر.
أولاً: ما هو الفرق بين الغفران الحقيقي والغفران الزائف؟
كثيرًا ما يقول الشخص "لقد غفرت الاساءة وانتهى الأمر"؛ لكن الحقيقة الداخلية غير ذلك، لذا نريد هنا أن نفرِّق بين نوعي غفران:
الغفران الحقيقي: هو المسامحة الكاملة لأخي في ما أخطأ، ولا أعود أذكره مرة أخرى، لا مع نفسي ولا معه أو مع أحد آخر. وهذا ما يفعله الله «ولن أذكر خطاياهم وتعدياتهم في ما بعد» (عبرانيين10: 17).
الغفران الزائف: يحاول الشخص خداع نفسه، ويدَّعي أنه غفر لأخيه إساءته، ويتهرب من الواقع بأحد الطرق الآتية:
بأن يتظاهر الشخص بأنه قد نسى تمامًا ما حدث من أساءة، ويردد كثيرًا القول "لم يحدث شيئًا لقد نسيت تمامًا".
التظاهر بأنه لم يتأثر من الإساءة وأنه قد سامح تمامًا فيرفض فتح الموضوع مع أخيه الذي أساء إليه أو عتابه، بدعوى أن الإساءة بسيطة ولم تترك تأثيرًا أو جرحًا في داخله وهو قد سامح تمامً.
أن يُبدي الشخص استعداده للغفران، على أن يتعهد الشخص المخطئ بعدم تكرار ما حدث، أو عمل شيء معين واضح يدل بها على ندمه واعترافه بخطئه.
ثانيًا: لماذا يستصعب البعض تقديم الغفران الصحيح؟
عندما نتكلم عن الغفران الحقيقي الكامل، يقول البعض إن هذا صعب وقد يكون مستحيلاً؛ فما هي الأسباب؟
الكبرياء الشخصي: إن الكبرياء الشخصي، وما نسميه "الأنا"، تُعتبر عائقًا كبيرًا أمام تقديم الغفران الصحيح. فالشخص يعتبر أن ما حدث إهانة شخصية ولا يمكن التهاون معه.
تولد مرارة داخل النفس: عندما نترك الإساءة تعمل في تفكيرنا وعواطفنا الداخلية، تتولد مرارة داخلية فيسيطر علينا استحالة الغفران بدون توقيع العقاب على المخطئ.
الخوف من تكرار الإساءة: قد يفكر الشخص بأن تقديم الغفران الكامل غير المشروط قد يصبح مبررًا لتهاون المخطئ في علاقته معه، وهذا يسهّل تكرار الإساءة مرة أخرى.
عدم التقدير الصحيح لغفران الله لنا: ينسى البعض شناعة الخطية، وما فعلته من إساءة إلى الله شخصيًا، وكيف أن الله، في محبته الكاملة، منحنا غفرانًا كاملاً في المسيح يسوع كما نقرأ «مسامحًا لكم بجميع الخطايا» (كولوسي2: 13).
ثالثًا: ما هي نتائج عدم الغفران؟
إن عدم ممارسة الغفران الصحيح يتسبب في نتائج مريرة في حياة الشخص، وهذا ما أوضحه الرب يسوع في المثل الذي قاله ردًا على سؤال بطرس في متى18: 23- 35، والذي ختمه بالقول عن العبد الذي لم يقدِّر غفران سيده له ولذلك لم يغفر للعبد رفيقه «غضب سيده وسلّمه إلى المعذِّبين حتى يوفي كل ما كان عليه».
دعونا نستعرض بعض النتائج الأساسية لعدم الغفران:
الحرمان من التمتع بالغفران الأبوي: لقد ربط الرب يسوع غفراننا لزلات إخوتنا، مع غفران الله أبونا زلاتنا عندما نقع في خطإ >هكذا أبي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته<.
تكوين مرارة داخلية: إن الاحتفاظ بسجل الإساءات التي حدثت من إخوتنا تجاهنا يعطي إبليس فرصة زرع بذور المرارة داخلن. وهذه المرارة إذا لم تُعالَج وتُرفع، قد تولِّد مشاعر الرغبة في الانتقام من الشخص المخطئ، وهذا ما حدث فعلاً مع أبشالوم ابن الملك داود عندما قام بانقلاب ضد أبيه وحاول قتله فعلاً (2صموئيل14- 17).
المعاناة من متاعب نفسية وجسدية: إن الاحتفاظ بالمرارة داخل النفس يسبب متاعب نفسية كثيرة، وقد تقود في أوقات كثيرة إلى متاعب جسدية عضوية تعطل تمتع الإنسان بحياته الطبيعية والروحية.
تدمير العلاقة مع الآخرين ومع النفس: يصبح الإنسان غير قادر على التعامل الصحيح مع إخوته، فيركِّز كثيرًا على أخطائهم، ويصمم على إدانتهم العلنية على ذلك. ومن الجهة الأخرى ينتابه الشعور بالذنب عندما يخطئ لأي سبب، ولا يقبل بسهولة غفران الله، أو غفران الآخرين له.
والآن.. ما هو الطريق للغفران الصحيح الحقيقي؟
إن كان الأمر بهذه الأهمية والخطورة، فدعونا نرى الخطوات العملية التي يجب علينا اتباعها عندما يُخطئ إليَّ أخي وأشعر بمرارة الإساءة في داخلي:
- اذهب أولاً إلى الله أبوك، واعترف له بضعفك الشخصي، وبمقدار المرارة التي سبَّبتها إساءة أخيك لك. واطلب معونته للتعامل مع الأمر بطريقة صحيحة، واثقًا في القول «الروح أيضًا يعين ضعفاتنا» (رومية8: 26).
- استرجع في ذهنك وقلبك: عظمة غفران الله لك، وما صنعه من أجلك على الصليب ليهبك غفرانًا كاملاً غير مشروط، وكيف يتعامل معك الآن حتى عندما تخطئ وترجع نادمًا على ما صدر منك. واجعل هذا أساسًا لتعاملك مع أخيك المخطئ إليك «محتملين بعضكم بعضًا، ومسامحين بعضكم بعضًا، إن كان لأحد على أحدٍ شكوى؛ كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضًا» (كولوسي3: 13).
- لا تنتظر أن يأتي إليك أخيك معتذرًا عن إساءته، بل نفِّذ قول الرب يسوع «إن أخطأ إليك أخوك؛ فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما» (متى18: 15). اذهب بروح المحبة الصادقة التي تستر كثرة من الخطايا، واحرص على استرداد علاقة المودة الأخوية بينك وبينه. كن صريحًا وافتح قلبك، معبِّرًا عن الجرح الذي أصابك نتيجة تصرفه.
- اقبل اعتذار أخيك عن ما صدر منه، وحرِّره من المديونية لك بما حدث، مُظهرًا اهتمامك باستمرار علاقة المحبة الأخوية بينكم. احذر من ذكر أي خطإ مضى، متذكرًا قول الرب يسوع لبطرس «لا أقول لك إلى سبع مرات، بل إلى سبعين مرة سبع مرات».
والآن ماذا عنك يا أخي الحبيب؟ هل تتذكر إساءة صديق لك، وتشعر بجرح عميق في داخلك، مما يعطِّلك في حياتك الزمنية والروحية؟
اسرع إلى فاديك الذي جُرح قبلك في بيت أحبائه، فهو الذي سيشفي جروحك ويعطيك القوة الكافية لتتبع خطوات الغفران الصحيح، وتسترد شركتك مع إلهك ومع أخيك، وهكذا تتمتع بالقول «وليملك في قلوبكم سلام الله الذي إليه دعيتم في جسد واحد» (كولوسي3: 15).