صبية في عمر الزهور، أُصيبت بمرض عضّال. ولأنها حادة الذكاء أدركت أن مرضها خطير، ليس له شفاء ولن ينفع معه طب أو دواء. ومن خلال كميات الأدوية التي كانت تتناولها، وتعليقات الأطباء التي كانت تسمعها، فهمت أن وقت رحيلها من الدنيا قد حان. وتذكرت يوم أن مات جدها، حيث حملته سيارة في رحلة اكتنفها الغموض، ولم يَعُد العجوز من يومه. وجال بخاطر الصغيرة سؤال استولى على مشاعرها وكيانها، لم تجد إجابة له في كتاب حياتها الصغير رغم ما اكتسبته من خبرات مدرسية، ولا من خلال رحلاتها الكثيرة خارجية أو داخلية جوية كانت أو بحرية، مع أسرتها المرفهة الغنية. والسؤال هو: أين ذهب جدها العجوز؟ وهل سيعود؟
وحدث ذات ليلة، وبعد أن أفاقت من غيبوبة داهمتها، فتحت عينيها، وكان إلى جوارها أبويها، إنفجرت الصبية في بكاء هستيري عنيف، وكلما حاولا تهدئتها، إزدادت نحيبًا وصراخًا، ولما هدأت، سألوها عن سر هذا البكاء. أجابت: "رأيت نفقًا طويلاً مظلمًا وضيقًا، آه.. إني اختنقت".
ثم نظرت لأبيها، نظرة تحمل معاني الحزن والأسى، وبعينين غائرتين صغيرتين، وكأنهما تنظران إلى بعيد قالت لأبيها: "أنا زعلانة منك يا دادي".. فأنزعج الأب وهو غير مصدق قائلاً: "أنا يا نور عين دادي.. وأنا الذي لم أقصِّر معك في شيء، فأنا علّمتك في أرقى المدارس الأجنبية، ودرّبتك عند أشهر أساتذة الموسيقى والسباحة والفروسية، ودفعت لك آلاف الدولارات اشتراكات النوادي والألعاب الرياضية". قاطعته الأم قائلة: "أما عن ملابسك فهي أشيك الملابس المستوردة، وعلى أحدث خطوط الأزياء العالمية".
وقبل أن تخوض الأم في حديث طويل عن طعامها وشرابها وألعابها، صرخت الفتاة وهي تقول: "أرجوكم.. كفّو.. لقد كان اهتمامكم بالخارج فقط، لكن ماذا فعلتم لنفسي وروحي.. يا بابا أنا باموت ومش عارفة أموت إزاي.. لكل لعبة ولكل جهاز كتالوج خاص به لمعرفة طريقة تشغيله، أما أنا فأين الكتالوج الخاص بي، أين سأذهب بعد أن أموت؟ ومن يعبر بي ذلك النفق الضيق المظلم؟ لقد انصبّ اهتمامكم بطعامي وشرابي في حاضري، لكن ماذا عن مستقبلي؟".
فأجاب الأب: "لا يا بُنيتي هذا عملت حسابه أيضًا .. لا تخافي". ثم قام وأحضر أوراقًا وهو يشعل سيجارًا، قائلاً: "هذا يضمن لك مستقبلك: مليون دولار في البنك".
فصرخت الفتاة وهي تقول: "فلتذهب المليون دولار لمن يرحمني من العذاب والنار، ويجيب حيرتي، ويفك غوامض هذا السؤال: أنا راحلة! لكن إلى أين؟ ومع مَن؟ وكيف أعبر النفق المظلم وحدي؟".
ولأول مرة يشعر الأب بالعجز، وعدم قدرته أن يفعل لابنته شيئًا، رغم أنه رجل أعمال من الطراز الأول، وعنده الكثير من الأصحاب الأغنياء والمشهورين. ساد الغرفة صمت شديد، وبعدها دخلت الفتاة في نوبة أخرى لم تستفق بعدها أبدًا!
عزيزتي القارئة وعزيزي القارئ.
ما أتعس الإنسان الذي طريقه إلى الأبدية مجهول ومسدود..
ما أشقاه ذلك الذي ليس عنده نور للحياة والخلود..
ولم يتعرف بعد على المسيح المحب الودود..
فالمسيح وحده هو الذي:
بمـوته أبـاد ذاك الذي لـه سلطـان الـموت (عبرانيين2: 14)،
وبقيامته نقض أوجاع الموت (أعمال2: 24)،
بل ونزع شوكته (1كورنثوس15: 55)،
وغيّر مفهومه، إذ صار الموت راحة ونومًا للمؤمنين (يوحنا11: 11)،
بل وجعل الموت الذي هو خسارة ربحًا (فيلبي1: 21).
لقد أبطل المسيح الموت (2تيموثاوس1: 10)، وكأن الموت قنبلة موقوتة تنفجر في أية لحظة، لكن بموته أبطل مفعولها ونزع فتيلها، وصرنا في أمان تام.
والذي آمن قلبيًا بالمسيح، لا ينتظر الموت بل ينتظر مجيء المسيح، أما إن كانت مشيئته أن نموت فيقينًا سيضمّنا إلى صدره (1تسالونيكي 4: 14) لنكون معه، وحتمًا لن نرى شبح ذلك النفق الضيق والمظلم، بل سنرى المسيح، الذي له كل المجد.