"هنري مُورهاوس" (1840 - 1880) رجل الله والمبشر الإنجليزي المعروف، الذي جاهد وتعب كثيرًا في حقول الإنجيل في بلاد كثيرة، تميزت خدمته بقوة خاصة وتأثير عظيم، فربح الكثيرين للمسيح. وفي ختام رحلته القصيرة، التي لم تزِد عن أربعين عامًا، رحل للمجد عام 1880. وكانت آخر كلمة تفوه بها إلى ابنه الكسيح آنذاك، ليشجعه، هي «الله محبة»، قالها ثم أغمض عينيه ورقد. وقد أوصى قبل رقاده أن تُنقش على قبره الآية يوحنا3: 16 «لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية».
لقد كانت هذه الآية عنده هي أعجب آية في الكتاب المقدس. وطوال السنين التي بشر فيها بالإنجيل ما كان ليفرغ من حديثه عنه. وعلى فراش مرضه الأخير قال: "إذا شاءت إرادة الله أن يقيمني ثانية، فإني أريد أن أبشر بتلك الآية: «لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية»".
وقال رجل الله مودي عن هنري مُورهاوس:
عندما كنت أسمعه يعظ استنادًا إلى يوحنا3: 16 ما كنت أستطيع أن أحبس الدموع من أن تنهمر من عينيَّ لأني لم أكن أتصور أن الله يحفظ لي في قلبه حبًّا عظيمًا كهذ. لقد كان مُورهاوس يأخذ هذه الآية كأنها جوهرةٌ ثمينةٌ ويُلقيها في حضن الخاطئ الفقير البائس ليغتني بها، أو كأنها دواءٌ ناجحٌ يُقدّمه إلى المريض المسكين ليُشفى به. وبدلاً من أن يُخبِر الخطاة المساكين أن الله يتعقبهم بالتأديب والغضب، بالسياط والعقاب، بالدينونة وسيف الانتقام ليقتص من خطاياهم وآثامهم؛ كان يُخبرهم أن الله بمحبته العميقة يحنو عليهم ويريد أن يقبلهم في رحمته، لأنه - له كل المجد - أحبهم لدرجة أنه لم يُشفق على ابنه الوحيد، بل بذله لأجلهم أجمعين، ليُنقذهم من خطاياهم وآثامهم، وليطهِّرهم بدمه المسفوك على صليب الجلجثة.
لقد كان هنري مُورهاوس يستمتع دائمًا بالحديث عن محبة الله استنادًا إلى يوحنا3: 16، وكان كلّما وصل إلى التعبير «كُلُّ مَنْ» كان يُشدِّد على شموليَّته المطلقة. وكم أكد أن هذا التعبير يوضِّح أن كُلَّ إنسان، وأيَّ إنسان، يضع ثقته في المسيح ينال الخلاص!
وقال إن من دواعي سروره أن يكون هذا التعبير «كُلُّ مَنْ» موجودًا في يوحنا3: 16 بدلاً من اسمه بالذات هنري مُورهاوس. فلو كان هذا الاسم هناك، لما استطاع أن يتيقّن أنه هو المقصود. وقد فسّر كيف وصل إلى هذه النتيجة فقال:
"اشتريتُ مرة آلة كاتبة فشُحنت خطأً إلى رجل آخر اسمه هنري مُورهاوس يقيم في مكانٍ عنوانه غير عنواني. فلو قالت الآية في يوحنا3: 16 إن الله أحبَّ هنري مُورهاوس، لكان ممكنًا أن أعتقد أن المقصود هو هنري مُورهاوس الآخر. ولكن بما أن الآية تقول «كُلُّ مَنْ» فلا يمكن أن يحدث أيُّ خطإ! فهذا التعبير يشملني شخصيًا بكل يقين".
نعم - يا عزيزي القارئ - إن التعبير «كُلُّ مَنْ» يشمل كل إنسان؛ يشملني ويشملك؛ يشمل كلُّ إنسان وأيُّ إنسان! فإن كنت تؤمن بالمسيح، فاشكره على خلاصك. وإن كان لا، فضع ثقتك الآن في المسيح فتنال من يده هبة الحياة الأبدية وجميع البركات التي ترافقها: النجاة من الدينونة.. غفران الخطاي.. التبرير.. الفداء.. المصالحة والسلام مع الله.. عطية الروح القدس.. التقديس.. الولادة الجديدة.. الإحياء.. البنوة.. الخلاص...
نعم «كُلُّ مَنْ يُؤمنُ»، أيُّ إنسان، يهودي أو أممي، غني أو فقير، رجل أو إمرأة، مهذَّب أو فاجر، متعلِّم أو جاهل، فله تُقدَّم هبة الحياة الأبدية. بل إن أشرّ الأثمة والخطاة يدخل ضمن دائرة تدبير الخلاص ونوال الحياة الأبدية. ولاحظ أنه لا يقول «مَنْ يعمل»، بل يقول: «مَنْ يُؤمنُ». وليس المقصود الإيمان بديانة معينة، ولا بعقيدة، ولا بمجموعة من الحقائق، بل المقصود هو الإيمان بشخص، إذ يقول «من يؤمن به (بابن الله الوحيد)». إن الرب يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، هو غرض الإيمان، وهو الذي قال في يوحنا6: 47 «الحقَّ الحقَّ أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية».
ولاحظ القول «له» (يوحنا3: 16؛ 6: 47)، إنه امتلاك حاضر «له (الآن) الحياة الأبدية». لا يقول "ربما يكون له" أو "غالبًا سيكون له" أو "قد تكون له الحياة الأبدية يومًا ما"، بل يؤكد أن الشخص يؤمن به ينال الحياة الأبدية هنا، والآن.
أوَ ليست هي ملكية عجيبة التي نالها المؤمن؛ إنها «الحياة الأبدية». والحياة الأبدية - بالمفهوم المسيحي - ليست مجرد الخلود أو الوجود إلى الأبد، كما يفتكر الكثيرون، فإن هذا سيكون أيضًا نصيب الأشرار في بحيرة النار والكبريت. إنها ليست في المقام الأول كمية مختلفة من الحياة، بل نوعية مختلفة. إنها حياة الله نفسه، وهي حياة تجد متعتها ولذتها في الشركة مع الآب ومع ابنه بقوة الروح القدس، كقول الرب يسوع المسيح: «وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته» (يوحنا17: 3).
ونحن نتمتع بتلك الحياة السماوية الإلهية من لحظة الإيمان «الذي يؤمن بالابن له حياةٌ أبدية» (يوحنا3: 36)، لكن الحياة في غمرها وفي ملء أفراحها وفي كمال التمتع بها هي الوجود كل حينٍ مع الرب يسوع في بيت الآب. فليس العالم الذي نعيش فيه هو جو ومناخ الحياة الأبدية، لكننا سنصل إلى جو الحياة الأبدية بمجيء الرب وفداء الرب للأجساد.
عزيزي القارئ: إن الرب يسوع المسيح، ابن الله، يقول لكل واحد ولكل واحدة، من كل جنس وشعب، وفي كل مكان، وبصفة شخصية وعلى التحديد «الحقَّ الحقَّ أقول لكم إن من (كُلُّ مَنْ) يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبديةٌ، ولا يأتي إلى دينونةٍ بل قد انتقل من الموت إلى الحياة» (يوحنا5: 24). فيا ليتك تقترب إلى الينبوع الصافي وتشرب فترتوي من نهر المحبة الإلهية، فيمكنك أن تشهد للجميع مترنمًا:
كلُّ مَنْ يتخذ المسيح
يحيا سعيدًا مُظلّلاً |
|
ملجأً له فيستريح
بحبهِ الجليل |