هو ذو مركز مرموق، لكنه ركض وجثا للرب يسوع وسأله: أيها المعلم الصالح؛ ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ فقال له الرب: لماذا تدعوني صالحًا، ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله، أنت تعرف الوصاي... أحب قريبك كنفسك. فقال الشاب: هذه كلها حفظتها منذ حداثتي، فماذا يعوزني بعد؟! أجابه الرب، بعد أن نظر إليه وأحبه: يعوزك شيء واحد، اذهب بِع كل ما لك واعطِ الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني حاملاً الصليب. فاغتمّ هذا الشاب، ومضى حزينًا لأنه كان ذا أموال كثيرة.
فبماذا نكلِّم هذا الشاب؟
- حسنًا أن تركض وتجثو للرب يسوع وتسأله؛ لكن ألا تعرف أنه الله الظاهر في الجسد؟ ألا تعرف أنه عمانوئيل الذي تفسيره: «الله معنا»، أي الله متجسِّدًا في وسطنا، ماشــيـًا في ذات الأماكـن التي يسير فيها النـاس؟ وحـسنـًا قلت لـه: «أيها المُعلم الصالح»؛ لكن عندما سألك: لماذا تدعوني صالحًا؟ ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله، للأسف لم تجِبه رغم أنه قال صراحة: «أنا هو الراعي الصالح»، إذًا هو الله الظاهر في الجسد، وكنا نودّ أن تُجيب على سؤال الرب بكل شجاعة وقوة قائلاً له: "أنت هو الله.. أنت ربي وإلهي". فالرب في كلامه معك لم يُنكر مطلقًا أنه الله، لكنه أنكر الصلاح في أي إنسان. لم يرفض الرب ما قلته له أنه «المعلم الصالح»؛ لكنه امتحنك، وللأسف لم تكُن مستعدًا للاعتراف بلاهوته رغم معجزاته.
- دعني اسألك عن هذا السؤال الغريب الذي سألته: «ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟». ألا توجد كلمتان عكس بعضهما في هذا السؤال «أعمل» و«أرث»؟ هل يوجد من يعمل ليرث؟! بالطبع لا يمكن. ولكن الشخص لكونه ابنًا هو يرث (اقرأ يوحنا1:12؛ رومية8:17؛ 4:5).
- عندما قال لك الرب: «لكن إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا». لم يكن يقصد أنه بوسع الإنسان أن يخلص بحفظه الوصايا، لكنه كان يستخدم الناموس ووصاياه لتدرك خطيتك القلبية. فالوصية التي ذكرها لك الرب تختص بعلاقات الإنسان مع أخيه الإنسان، وقد ذكر لك الرب هذه الوصية التي تلخِّصهم: «أحب قريبك كنفسك» (متى19:19). لكننا فوجئنا أنك تُقِرّ أن هذه الوصايا قد حفظتها منذ حداثتك، هل امتحنت نفسك قبل أن تقول ذلك؟ يا ليتك كنت قد صرخت له معترفًا قائلاً: أنا خاطئ.
- أراد الرب يسوع أن يكشف لك فشلك في محبة قريبك كنفسك، لذا طلب إليك أن تبيع أملاكك وتعطي الفقراء. فلو كنت تحب قريبك كنفسك لكنت فعلت هذ. لكن الواضح أن المحبة التي في قلبك هي محبة المال، لذا مضيت حزينًا، وفضّلت الدراهم عليه. ياليتك كنت قد اعترفت له قائلاً: أنا الفاشل العاجز.
- ما أعجب ربنا يسوع المسيح، حيث يذكر لنا مرقس في انجيله: «فنظر إليه يسوع وأحبه»! فرغم أنك لم تُقدِّره ولم تخاطبه كالله، بل كحاخام يهودي أو كمعلم في إسرائيل؛ إلا أنه أحبك. لذا دعني اسألك: ما هي غايتك في الحياة؟ ما هو هدفك؟ هل العالم والمال؟ اسمع ماذا قال أحدهم:
إنمـا الدنيـا فَـنــاء إنما الدنيا كبيت |
|
ليس للـدنــيـا ثبوت نسجه من عنكبوت |
فلا تجعلها نصيبك |
ولا تكـن فرحـــًا ولا تكـن حزينـًا |
|
إذ هـــي أقـبـلــــــت إذ هــي ولّـــــــــــــت |
لأنها خادعة ماكرة |
فيا من تسعى وراء الغنى الباطل، أخبرك الخبر اليقين، وهو أن ذلك الغنى إما أن يتركك أو تتركه. وإّذا أردت أن تسمع الحق وتقتنيه فإنك تحصل على الكنز العظيم دون تعب أو كد أو عناء.
- بعد ما مضيت حزينًا، أفهَمَ الرب يسوع تلاميذه صعوبة دخول ذوي الأملاك إلى ملكوت الله، لكنه قال أيضًا: >عند الناس غير مستطاع ولكن ليس عند الله، لأن كل شيء مستطاع عند الله<. ومن هنا نستطيع أن نفهم أن الإنسان، وهو حائز على أفضل الصفات، لا يستطيع أن يخلّص نفسه، لذا فالله بذل ابنه لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.
- إن من يأتي للرب يسوع يستطيع بعد ذلك أن يترك الكل؛ سواء بيوتًا أو حقولاً أو أي شيء، لأجل الرب واسمه ولأجل الإنجيل، ويستطيع أيضًا أن يعطي الفقراء، إذ قد أخذ وحصل على طبيعة المحبة، طبيعة الله، يستطيع أن يعطي فوق الطاقة، يعطي ليس عن حزن واضطرار بل يعطي بفرح وسرور.