حياتك قصيرة .. اصرفها بحرص
في قسم الحلويات، بسوبر ماركت كبير، تنقّل صبي، متحيرًا ومترددًا، من فاترينة إلى فاترينة، محاولاً أن يُقرّر ماذا يشتري· وإذ تعبت أمه من الانتظار نادته قائلة: يا ابني عجِّل واصرف نقودك! يجب أن نذهب·
فأجاب الصغير باهتمام شديد: ولكن يا أمّاه ليس معي إلا جنيهًا واحدًا، لذلك يجب أن أصرفه بحرص!
ولقد أعجبني رد الصبي الحكيم، وتذكرت أننا نحن أيضًا لنا حياةٌ واحدةٌ قصيرةٌ نحياها، وعندما تنتهي هذه الحياة لن تعود، ولذلك يجب أن نصرفها بحرص! فلو كان لنا عشر حيوات، لربما أمكننا أن نصرف واحدةً منها في اللهو واللعب، والعبث والمسرات، واصطناع الثروات· ولكن تذكر - عزيزي القارئ - أن لك حياة واحدة تحياها، وأن هذه الحياة قصيرة جدًا، فاجعلها جميلة ومثمرة، نافعة ومنتجة، ولا تكتفِ بإنفاق الوقت، بل استثمره أحسن استثمار· فالحياة القصيرة يجب أن تُصرَف بحكمة، ولكي يُنفق الوقت بحكمة، استثمره فيما يخصّ الأبدية·
لقد قال موسى رجل الله في مزمور90: 12 «إِحصَاءَ أَيَّامِنَا هكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ»· وإذ أحصى أيامه حرفيًا، ذكره ذلك بسرعة زوال الوقت، وبالحاجة إلى العَيش وعينه على ما يخص الأبدية·
والحياة في قصرها، مُشبّهة في الكتاب المقدس:
1· بالعشب الذي عمره قصير الأجل جدًا (مزمور90: 5؛ 102: 11؛ 103: 15؛ إشعياء40: 7 ،8؛ يعقوب1: 11)·
2· بزهر العشب الذي ينحسم (يُقطع) ويذبل وسرعان ما يفنى جمال منظره (أيوب14: 2؛ مزمور90: 6؛ 103: 15؛ إشعياء40: 7 ،8؛ يعقوب1: 10 ،11)·
3· كقِصة تُحكى (مزمور90: 9)، وقصة حياتنا قصيرة وتنتهي روايتها بسرعة· ولكن ترى ما هو تأثيرها على من حولنا بعد قراءتها؟
4· وكخيالٍ عابرٍ (مزمور39: 6؛ 73: 20)·
5· كغُثاءٍ على وجه الماء (أو كقشة عائمة على وجه المياه) (هوشع10: 7)·
6· وكبخارٍ يضمحل سريعًا أو كالضباب الذي يظهر فترة قصيرة ثم يتلاشى ويتبخر (يعقوب4: 14)·
7· وكحُلم عند التيقظ (مزمور73: 20)· وعندما يستيقظ الناس في الأبدية، كم ستكون اليقظة مخيفة بالنسبة للذين قضوا حياتهم في نوم روحي منغمسين في التمتع بالمسرات العالمية، يحلمون بالسعادة الدنيوية· ولكن حياة بدون المسيح، أو حياة ليست لأجل المسيح، ستنتهي بصدمة عند التيقظ·
8· كالريح العابرة التي تذهب ولا تعود (أيوب7: 7؛ مزمور39: 5؛ 78: 39)·
9· كالعدّاء المُسرع الذي يركض حاملاً الأخبار (أيوب9: 25)·
10· كالظل المائل العابر الذي يسير بسرعة وسرعان ما يضيع في ظلام الليل (1أخبار29: 15؛ أيوب8: 9؛ 14: 2؛ مزمور102: 11؛ 144: 4؛ جامعة6: 12)·
11· كالسحاب الذي يضمحل ويزول (أيوب7: 9)·
12· كالوشيعة أو مكوك النسّاج (أيوب7: 6)، الذي يُسرع في الانتقال من هذا الجانب من النول إلى الجانب الآخر في لمح البصر، إلى أن ينتهي الخيط الذي يحمله وعندئذ «من النَّوْلِ يَقْطَعُني» (إشعياء38: 12)·
13· أشبار (مزمور39: 5)·
14· شهور محدودة (أيوب14: 5)، بل أيام قليلة (تكوين47: 9؛ أيوب7: 6؛ 14: 1؛ مزمور90: 9)·
عزيزي: في كل عيد ميلاد نحسب عمرنا بالسنين، لكن الله يحسب عمرنا بالأيام (مزمور90: 12)، فنحن نحيا حياتنا يومًا فيومًا، والأيام تمر سريعًا كلّما تقدّم بنا العمر· وبما أن الحياة قصيرة فنحن لا نستطيع أن نكنزها، وبالتأكيد لا نريد أن نضيعها، بل ينبغي علينا أن نستثمرها في الأمور الأبدية· وحقًا إن الساعات والأيام والسنين التي نقضيها هنا تمضي، وهكذا، فسواء أحصيناها أو لم نُحصها، فلنحرص على أن يكون لها حسابها لأجل المسيح·
ولذلك يجب أن نطيع تحريض الرسول «اسلكوا بحكمةٍ··· مُفْتَدِينَ الوقت» (كولوسي4: 5)· وكلمة «مفتدين» تعني مشترين · فلو كان عليك أن تشتري الوقت شراءً، فهل يكون هناك فرقٌ في الطريقة التي بها تُنفِقه؟ أكنت تستخدم الدقائق والساعات والأيام استخدامًا أكثر حكمة، وتستخدمه في ما يخصُّ الأبدية؟
وكم أنا شاكرٌ لأن الله لا يضع بطاقة تسعيرة على الدقائق والساعات التي يمنحها لنا· إنه - تبارك اسمه - لا يبيعنا الوقت بيعًا، إنه يوفره لنا مجانًا كعطية من عطايا نعمته· إذًا، لنقضِ أيامنا «مفتدين الوقت» باستخدامه أفضل استخدام، بكل حكمة وانتباه، بكل عناية ودراية، منتهزين كل فرصة لكي نعيش لله؛ لكي ما نخدمه ونعمل مشيئته «وهو ماتَ لأجلِ الجميعِ كي يعيشَ الأحيَاءُ فيما بعد لا لأنفُسِهِم، بل للذي ماتَ لأجلِهم وقامَ» (2كورنثوس5: 15)· فينبغي علينا أن نسلك بالتدقيق «لا كجهلاء بل كحكماء، مُفتدينَ الوقت لأنَّ الأيامَ شريرةٌ» (أفسس5: 15)· ودعني يا صديقي أذكّرك بما يجب أن نعمله في الوقت القصير جدًا الباقي لنا في هذا العالم:
1· إنه «وقتٌ لِطَلَبِ الرب حتى يأتي ويُعَلِّمكُمُ البرَّ» (هوشع10: 12)·
2· إنه «وقتُ عَمَلٍ للرب» (مزمور119: 126)·
3· إنه وقتٌ أو «ساعةٌ لنستيقظَ من النوم··· فَلنخلع أعمال الظلمة ونَلبَس أسلحة النور· لنسلك بلياقةٍ كما في النهار: لا بالبطر والسكر، لا بالمضاجع والعهر، لا بالخصام والحسد· بل البسوا الرب يسوع المسيح، ولا تصنعوا تدبيرًا للجسد لأجل الشهوات» (رومية13: 11-14)·
عزيزي: إن الحياة هي أثمن وأعز ما يمتلكه الإنسان، إلا أنها قصيرة مهما طال زمانها· والحياة القصيرة يجب أن تُصرف بحكمة· ورأس الحكمة مخافة الله· فلا تكتف بإنفاق الوقت، بل استثمره أحسن استثمار· استثمره في ما يخص الأبدية·