هذا السؤال وجَّهه شاول الطرسوسي - الذي صار بولس الرسول بعد ذلك - إلى الرب يسوع عندما ظهر له من السماء وهو في طريقه إلى دمشق ليواصل اضطهاده لكنيسة المسيح· وبدلاً مِن أن يوقِع عليه القضاء نتيجة ما يفعله فوجئ بالقول «شاول شاول لماذا تضطهدني؟!»· فصرخ وهو ساقط على الأرض «من أنت يا سيد؟!»· فأجابه الرب قائلاً «أنا يسوع الذي أنت تضطهده· صعبٌ عليك أن ترفس مناخس»· وعندما اكتشف حالته، وحقيقة من هو يسوع الذي يقاومه، أجاب على الفور، وهو مرتعد ومتحير «يا رب ماذا تريد أن أفعل؟!»·
دعونا نتأمل في هذه المقابلة الرائعة التي كانت بداية تغير حاسم ورائع، غيّرت شاول الطرسوسي، المجدِّف والمضطهِد والمفتري، إلى بولس الرسول الخادم الحقيقي للمسيح·
أولاً: لقاء حاسم
كان شاول يظنّ، باقتناع شخصي خاطئ، أنه يسير في الطريق الصحيح؛ لذلك كان ينفث تهدُّدًا وقَتلاً لتلاميذ الرب· ولكن، في المقابل، نرى كيف كان الله يتابعه ويلاحقه بالمعاملات المستمرّة لينقذ نفسه من الهلاك· وهكذا نرى كيف ظهر في طريقه إلى دمشق ودار هذا الحديث الرائع:
- «شاول شاول لماذا تضطهدني؟»: كنّا نظن أن الرب ظهر له ليوقِفه عن اضطهاده للكنيسة موقِّعًا عليه القضاء والعقاب النهائي، لكن حدث العكس تمامًا· فهنا اكتشف حقيقة إلهنا المحب الذي لا يشاء أن يهلك أُناس بل أن يُقبِل الجميع إلى التوبة· لقد ظهر لشاول لا لينتقم منه على تصرفاته الخاطئة وعناده، بل ليقدِّم محبته ونعمته واهتمامه الكامل به·
- «من أنت يا سيد؟»: ما أن سمع شاول هذا الصوت آتيًا من السماء وسط بريق النور العظيم، تحرّك كيانه الداخلي متسائلاً في حيرة وخوف· فهو يضطهِد أُناسًا على الأرض، بسطاء متسامحين ليس لهم من يحميهم، فما علاقة السماء بهم، ومن هو هذا الشخص الذي يتكلم من السماء ويسطع بهذا النور الساطع ويضم نفسه معهم؟ وإن كانت هذه عظمته ومكانته فلماذا لم يقضِ عليه فورًا، عقابًا على ما كان يفعله وما كان يخطِّط لعمله في دمشق؟
- «أنا يسوع الذي أنت تضطهده· صعب عليك أن ترفس مناخس»: سمع صوت المحبة الصادقة «أنا يسوع» المخلِّص الذي جاء وبذل نفسه عنك، لكي يعطيك الحياة الصحيحة، مسامحًا لك بجميع خطاياك· لقد ظهرت لك لأردَّك عما أنت فيه، وأريحك مما تعيش فيه من خداع داخلي وأفكار خاطئة غير صحيحة·
- «يا رب ماذا تريد أن أفعل؟»: لم يجِد شاول ما يقوله، وقد أُسِرَ بمحبة هذا الشخص العظيم التي لم يكن يتوقعها· اكتشف خطأه الذي عاش فيه وبشاعة ما كان يفعله، وتأكَّد أن يسوع الذي يضطهد مَن يسيرون وراءه هو الله المخلِّص الذي يحبّ ويفتِّش عن الإنسان ليعطيه الحياة الصحيحة ويضعه على الطريق الصحيح· فما كان منه إلا أن بادر بتسليم حياته بالكامل له، بدون تحفظ أو تأخير، جاعلاً إياه ربًّا وسيدًا·
ثانيًا: تغيير واضح
عندما تقابل شاول مع الرب يسوع مقابلة شخصية اكتشف حقيقة نفسه والطريق الخاطئ الذي يعيش فيه، ومن الجهة الأخرى عرف مَن هو يسوع؛ الله المخلِّص المحب· وهكذا أُغمضت عينيه عن الماضي، وارتمى بالكامل في أحضان المخلِّص؛ فحدث التغير الرائع الواضح في حياته:
- تسليم الحياة بالكامل للمسيح: صرخ بالقول «يا رب ماذا تريد أن أفعل؟»، لقد اعترف وقَبِلَ المسيح ليس فقط مخلِّصًا وفاديًا، بل ربًّا وسيدًا على الحياة· لقد بدأ حياة التكريس الكامل له، وهذا ما كتبه بعد ذلك «مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ» (غلاطية2: 20)·
- سقطت القشور من عينيه فأبصر: لقد انفتحت عينيه على الطريق الصحيح· لقد أنار الرب قلبه وفكره واختبر عمليًا القول «الله الذي قال أن يُشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوينا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح» (2كورنثوس4: 6)·
- في الحال قام واعتمد: أخذ خطوة عملية علنية للسير وراء الرب يسوع، مُعلِنًا بكل وضوح الحياة الجديدة التي تمتع بها· إنه مات عن الماضي مع المسيح، والآن يعيش الحياة الجديدة مع المسيح، مطبِّقًا ما كتبه بعد ذلك «دُفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جِدّة الحياة» (رومية6: 4)·
- كان شاول مع التلاميذ: بعد أن تمتع شاول بالحياة الجديدة أصبح محصورًا في عائلة الله على الأرض، فالتصق بالتلاميذ ليتمتع بالشركة الصحيحة معهم·
- للوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح: بعد أن انفتحت عيناه على الطريق الصحيح، وتمتع بعلاقة حقيقية مع الرب يسوع، وحصل على الحياة الجديدة المبصرة؛ أصبحت مشغوليته الأساسية هي توصيل ما تمتع به للآخرين· فاندفع كارزًا ومبشرًّا بيسوع المخلِّص الحقيقي في كل مكان·
هذا ما حدث مع شاول الذي أصبح بولس الرسول، فماذا عنك أنت؟ هل تقابلت مقابلة شخصية مع المسيح؟ هل تمتّعت بالخلاص الحقيقي بيسوع المخلّص؟ هل جعلته ربًّا وسيدًا على حياتك؟!