ذهب الفتيان العشرة وهم في حال يرثى لها·· جوعى، عطشى، مهلهَلي الثياب؛ ذهبوا إلى رجل الأعمال الغني، صاحب الاستثمارات المتسعة في تجارة المواشي· ذهبوا إليه في يوم احتفاله بإنجاز إحدى صفقاته ، قالوا له، وهو يرفع كأسًا مليئة بالشراب إلى فمه: "قد كنّا عونًا كبيرًا لكم، وقد حرسنا قطعان الماشية خاصتك، فلم يقترب منهم أحد، ولا أصابهم أدنى ضرر، فالآن أعطنا بعض الطعام والشراب لنا ولقائدنا، الذي يرسل إليك بتهنئته في هذا اليوم الطيب"· أنزلَ الغني كأسه، وهبَّ واقفًا مُحتقِن الوجه، وكأنّما أصابه مسٌ، وقد تطاير الشرر من عينيه: "ومين قالكم تساعدونا ولا تحرسونا؟ أنا طلبت منكم كده؟ أنا مش فاهم إيه المتسولين دول؟ ويطلع مين قائدكم ده؟ أنا مش عارف جايين منين دول"· وعلا صوته وتشنَّج وهو يصرخ "أنا مش عايز أشوف حد فيكم· أطلعوا بره"·
دارت أحداث هذا المشهد في 1صموئيل25 مع رجل الأعمال الغني نابال الذي رفض أن يشارك داود ورجاله ببعض العطايا التي يحتاجون إليها، في يوم احتفاله بجزِّ الغنم، على الرغم من أن داود ورجاله كانوا محسنين إليهم جدًا، فقد حرسوا قطعان الماشية التي يمتلكها، وكانوا سورًا لها ولغلمانه نهارًا وليلاً، وحفظوهم من أي شرّ أو أذى· لا أستغرِب ما فعله نابال، وإن كنت أستنكره· لا أستغربه لأنه صادر عن نابال الأحمق·· ولست عليه بمفترٍ إن دعوته أحمقًا فهذا هو معنى اسمه، وهكذا قد دعته أيضًا زوجته الفهيمة أبيجايل· وأستنكره أشدّ الاستنكار لأن مشاركة الآخرين والاعتناء بهم هما من أبرز علامات الحياة المسيحية الصحيحة· إن المشاركة هي أن أُعطي شيئًا مما أمتلك، أو حتى كل ما أمتلك؛ تلبية لاحتياجٍ ما، قد لاحظته في أحدٍ مِمَن حولي·
وعلى الرغم من يقيني أن الأكثرية يوافقونني الرأي في أن نابال قد أخطأ خطأً فادحًا؛ إلا أن السبب الدفين وراء تصرف نابال القبيح هذا هو عين السبب الذي يجعل الكثيرين منّا يُحجمون عن التصرف الكتابي الصحيح حيال احتياجات الآخرين· أو تدرى صديقي ما هو السبب؟!
إنه حرف الياء·
قال نابال ردًّا علي رجال داود «أآخذ خبزي ومائي وذبيحي الذي ذبحت لجازيَّ وأعطيه لقومٍ لا أعلم من أين هم؟»·
إنها ياء الملكية التي تُبرز الأنانية التي تجعلنا نهتم فقط بمصالحنا واحتياجاتنا، الأنانية التي تُعمي البصر عن كل احتياجات الآخرين، لأنها ببساطة لا ترى سوى نفسها·
وإن بدا الأمر واضحًا في حالة نابال، فهو ليس بالوضوح ذاته في حالتنا نحن في أحيان كثيرة· إلا أننا يجب أن نميِّز الجذور الدفينة للأنانية في كثير من الأفعال التي تصدر منا ·إنها تجعلنا نفكر كالتالي:
يمكن لغيري أن يساعد·· أنا اللي محتاج للي يساعدني·· فلان مايستاهلش نساعده·· هو اللي جابه لنفسه! أنا ماعنديش وقت·· كفاية اللي ورايا·· أنا ماعنديش طاقة·· محتاج أرتاح·· أنا أساعد حد؟ دانا غلبان! ··· وهكذا عشرات الأعذار التي تبتكرها أنانيتنا وعدم استعدادنا لمشاركة الآخرين·
وعلى النقيض من ذلك نجد العديد من الأمثلة الكتابية التي تخبرنا أن المشاركة والاعتناء بالآخرين هما فرصة مقدَّمة لجميع أولاد الله على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم، لكي نقدم من خلالها للجميع فكر وعواطف إلهنا الذي أتى ألينا لا ليُخدَم بل ليَخدِم، الذي قدَّم لنا أروع أمثلة الإتضاع والطاعة حين أخلى نفسه آخذًا صورة عبد· لذا يقدَِّم لنا الوحي التحريض الهام «لا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه بل كل واحد إلى ما هو لآخرين أيضًا، فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضًا» (فيلبي2: 4-7)· فليس هناك من هو أقل من أن يشارك، وليس هناك من يستغني عن مشاركة إخوته·
أمثلة كتابية هامة :
- الرب نفسه مرموزًا له بالسامري الصالح، الذي رأى إنسانًا عريانًا مجروحًا معتازًا، فتحنّن عليه وضمّد جراحاته غير مستنكف أو مستاء، وبدون أن يوبخه أتى به إلى فندق واعتنى به، وأعطى من ماله إلى صاحب الفندق وقال له اعتنى به (لوقا 10: 34-37 )· وقد أوصى الرب كل منا قائلاً: «أذهب أنت أيضًا واصنع هكذا»· ألا نأخذ كلام سيدنا على محمل الجدية فنذهب تاعبين مضحّين إلى كل من يحتاج سواء كان احتياجًا روحيًا أم نفسيًا، زمنيًا، بدنيًا أو ماديًا· نذهب إلى الجميع متذكرين قول الكتاب «بالمحبة اخدموا بعضكم بعضًا» (غلاطية 5: 13)·
- شاب مؤمن يُدعى تيموثاوس لم يجِد الرسول بولس من يهتم بالمؤمنين في كنيسة فيلبي سواه، كان هناك مئات غيره من المؤمنين المتميِّزين في روما، أرسل الرسول بولس تحياته إلى 26 منهم بالاسم في رومية 16، غير أن أحد منهم لم يهتم بأحوال إخوته، إذ كان الجميع يطلبون ما هو لأنفسهم لا ما هو ليسوع المسيح (فيلبي2: 21) قال بولس عنه للفيلبيين: «ليس لي أحد آخر نظير نفسي يهتم بأحوالكم بإخلاص» (فيلبي2: 20)·
- فتاة مسبية صغيرة لم تضِنّ على من سباها بنصيحة طيبة كانت له مصدر شفاء (2ملوك 5: 3)·
- صبي صغير أعطى وجبة غذاءه للمسيح غير عالم ما سيحدث، أو إن كان سيجد ما يكفي لطعامه (يوحنا 6: 9)·
- أبفراس كان يصلّي مجاهدًا لأجل إخوته لكي يثبتوا كاملين ممتلئين في كل مشيئة الله (كولوسي 4: 12)·
- أبفرودتس ذهب في رحلة شاقة إلى روما لكي ينقل للرسول بولس تقدمة إخوة فيلبي، وقد عانى ومرض حتى قارب الموت (فيلبي 2: 30)·
وغيرها من عشرات الأمثلة الكتابية، إذًا علينا أن ننتبه·
قال "ستيفن كامبل"،أحد خدام الرب: "علينا أن ننمّي في أنفسنا عادة مشاركة الآخرين، فعندما ندخل حجرة ما، علينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً: ما هو الشيء الصائب الذي أستطيع أن أفعله لمساعدة من يحتاج في هذه الغرفة؟ فنبدأ أن نلاحظ الاحتياجات، ونتحرك لتسديدها"·
قد يحتاج واحدٌ إلي مساعدة في حمل حقيبة، وآخر إلى كلمات تشجيع، وغيره إلى ابتسامة محبة، وآخر إلى وجبة طعام، وخامس إلى توصيلة، وأخًا مسنًا إلى من يسنده، وأختًا متقدمة إلى من يُقلّها إلى الاجتماع، وطالب مغترب إلى من يفتقده، وشخص هالك إلى من يرشده لطريق النجاة في المسيح· وغيرها الكثير·
أصدقائي: فليكن فينا فكر المسيح، فكر الخدمة والاتضاع· وإذ أفكر بهذه الكيفية فلا مكان للأنانية أو الافتخار بل سيحسب كل واحد أخاه افضل من نفسه، وهكذا سينظر كل واحد لا إلى ما هو لنفسه بل إلى ما هو للآخرين (فيلبي2: 3 ، 4)·