في ثلاثة أعداد سابقة ناقشنا ما هي العواطف البشرية، وما تأثير الخطية عليها، والفرق بين الحياة النفسية العاطفية والحياة الروحية، ثم أفردنا ثلاثة أعداد أخرى لمناقشة عاطفة الحب وما هي علاقتها بالهوى والشهوة، وكذلك علاقة حب المراهقة بالزواج أو الصداقة، والفرق بين الإعجاب والحب، وكيفية التعامل الصحي مع الجنس الآخر· وفي هذا العدد نقدم بعض النصائح للشباب للتعامل مع العواطف المُلحة في داخلهم·
سن المراهقة والتعامل مع الاحتياجات العاطفية:
- لا شك أن الاحتياجات النفسية العاطفية والغريزية في هذه السن كثيرة ومضطربة، وأحيانًا تكون عميقة عند البعض، ونحن نقدِّر، ونرثي، ونتعاطف مع شباب هذه الأيام، ولا سيما أصحاب الفراغ العاطفي العميق· وأكبر مظاهر النجاح للمرور من هذه المرحلة العمرية بسلام، هو أن يتعامل الشاب بطريقة صحية مع هذه الاحتياجـات، ويغلِّـب تقييمه العقلي على رغباته العاطفية، إلى أن يحين الوقت المناسب للزواج، حيث ممارسة الحب في مكانه الصحيح·
- كَون هذه الاحتياجات مُلِح، فهذا ليس مبرِّرًا للتجاوب مع كل ما يعتمل في نفسه بطريقة أو بأخرى، مؤقتة أو دائمة، حتى لو كان الكل حوله يفعل ذلك، منادين بما يسمّى بالحرية، لكنها حرية زائفة ستقودهم للعبودية· والكتاب يعلمنا أنه « لا يستخفون بالسارق ولو سرق ليشبع نفسه وهو جوعان» (أمثال6: 30)·
- الكبت أيضًا، والتعامل مع النفس بناموسية ورفض الشاب والشابة ما يحدث داخلهما، بداعي القداسة، ليس هو الحل الصحيح، فما يحدث من احتياج للحب شيء طبيعي، لا يتعارض مع الإيمان· فكما أن التسيب له أخطاره، كذلك الكبت (والناموسية) ليس حلاً بالمرة ولا يصلح للعلاج، فالكبت سيزيد عنف الاحتياجات العاطفية عند الشباب، مثلما يزيده أي شيء آخر « ولكن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية أنشأت فيَّ كل شهوة» (رومية7: 8)·
- تدريب الإرادة: واحد من أهم المقاصد الإلهية في حياة الشباب في هذه المرحلة أن يتعلم الشاب ضبط النفس، وكيف يتعامل مع نفسه، وكيف يغلِّب التقييم العقلي على النداء العاطفي· وأن يبحث عن الصحيح حتى لو كان مؤلمًا، ولا يتجاوب مع الشيء اللذيذ إن كان غير صحيح· أن يتعلم ويتدرب على أن يقول لنفسه: « بل هدّأت وسكَّت نفسي كفطيم نحو أمه· نفسي نحوي كفطيم» (مزمور131: 2)· وفي طريق التدريب قد ينجح مرة ويفشل أخرى، وهكذا كل طرق التدريب· ولا ينبغي أن يفشل من هذا، بل يستمر ويثابر ويستعين بالوسائل الروحية المختلفة، فتزداد مرات نجاحه مع الوقت، وتقل مرات فشله·
- البُعد عن الفراغ: الفراغ هـو أكثر شيء يعطي فـرصة للرغبات العاطفيـة أن تلح « المعـتزل يطلب شهوته» (أمثال18: 1)· ولا ننسى أن يوسف وقد كان في هذه السن « دخل البيت ليعمل عمله» (تكوين39: 11)· فلم يكن عنده فراغ ليتجاوب مع عواطفه، وهذا ساعده على الهروب من التجربة· التكاسل والاسترخاء والفراغ هم أكثر الأشياء التي تجعل العواطف تداعب الشاب بكثرة·
- عدم تغذية مداخل الكيان الإنساني (مثل العين، الأذن أو الفكر) بالمثيرات العاطفية· وسائل الأعلام تُعتبر الوبال الأكبر في هذا الأمر، فسوء استخدامها سوف يؤدّي إلى إثارة العواطف، وكذلك سيؤدي إلى التشبع بالأفكار العالمية الخاطئة للتجاوب مع الاحتياجات العاطفية نتيجة كثرة التعرض لها· لذلك يخاطبنا الكتاب « فاحذروا لروحكم» (ملاخي 2: 15) لئلا تتشبّع، دون أن ندري، بأفكار الناس ومبادئهم، نظرًا لكثرة التعرض لها·
- الهروب مبدأ كتابي هام، سواء بالإزاحة: بأن تأتي بأفكار أخرى روحية، أو إنسانية محبَّبة لك، لتزيح الأفكار التي تحاربك· أو بالتسامي وذلك بأن تستخدم طاقتك العاطفية والغريزية في مجالات أخرى روحية، مثل الصلاة وقراءة الكتاب والخدمة والاجتماعات والشركة الصحيحة مع المؤمنين، وتجتهد في ذلك· أو حتى مجالات إنسانية بريئة كالرياضة، الموسيقى ·· إلخ· وقد يكون الهروب بجسمك فتبتعد عن المكان الذي تزداد الحرب العاطفية فيه· اخرج من هذا المكان إذا لزم الأمر·
- تعلَّم وتدرَّب على أن تجعل الله في فكرك بصفة دائمة· إحساسك المستمر بحضوره سيملأ نفسك به وهو يضبط عواطفك، ومن ناحية أخرى يملأها· وعندما تحكي مع الرب حاول أن لا تناقشه في أمورك العاطفية ورغباتك، بل اهرب منها وأنت تتحدث مع الرب، وتحدَّث معه في أي شيء آخر· وتدرب على ألاّ تنهي جلستك معه إلا وأنت شبعان، لأن « النفس الشبعانة تدوس العسل» (أمثال27: 7)·