انتهت ليلة الفصح بأحداثها، ونجا الشعب من قضاء المُهلِك· لكن المشكلة لم تنتهِ بعد؛ فما زالوا يحتاجون إلى العتق من عبودية فرعون وسيادته· ولكي يتم هذا كان لا بد من خروجهم نهائيًا من مصر·
وهذا ما طلبه فرعون والمصريون من موسى والشعب بعد موت الأبكار، إذ ألحّوا عليهم أن يخرجوا من بينهم· وهنا تحرّك قطار الرحلة مارًا بالمحطات الآتية:
محطة رعمسيس: (خروج12: 37) مدينة مصرية معناها "ابن رع" إله الشمـس، وتقـع في أخصب بقعة في مصر (تكوين47: 6) - حاليًا محافظة الشرقية - وفيها سكن يعقوب وأولاده عندما جاءوا إلى مصر في أيام يوسف· وقد بناها بنو إسرائيل مع فيثوم كمخازن لفرعون (خروج1: 11)·
محطة سكوت: (خروج12: 37) معناها "مظلات" وهنا أعطى الرب لموسى فريضة الفصح (خروج12: 42-50)، وتقديس البكر وعيد الفطير (خروج13)؛ حتى متى دخلوا الأرض، وسأل الأبناء: ما هذا؟ يحكون لهم كيف أخرجهم الرب وقتل كل بكر في أرض مصر· ونحن كلما تذكرنا ما صنعه الرب معنا ولأجلنا، يقودنا هذا إلى تكريس ذواتنا لمن فدانا بدمه (ما يشير إليه تقديم الأبكار)· وأيضًا نحيا حياة القداسة العملية (وهذا ما يشير إليه أكل الفطير)·
محطة إيثام: معناها "معهم" وتقع على الجانب الشمالي لبحيرة التمساح - قرب الإسماعيلية - وهنا يذكر الكتاب سير الرب معهم نهارًا في عامود سحاب ليهديهم الطريق، وليلاً في عامود نار ليضيء لهم، ليمشوا في رعايته نهارًا وليلاً· وهنا تلمع نعمة الله ليس في عبور الدينونة فقط (خروف الفصح)، بل في سيره مع الشعب، وإعلان نفسه لهم بحسب ظروفهم وإحتياجهم· لقد رضي أن يسير معهم كل الطريق؛ لأنه يعلم أخطارها وضيقاتها وتجاربها وعقاربها وحيّاتها، وحاشا له أن يتركهم وحدهم·
محطة فم الحيروث: معناها "فم الحرية" خروج14: 2)، وتقع بين مجدل (ومعناها "برج") والبحر، أمام بعل صفون (معناها "مراقب")· ويا له من مكان رائع - من معانيه - فلقد قاد الرب شعبه إلى بداية طريق الحرية الحقيقية من العبودية الفرعونية، حيث أدركهم فرعون هناك، ظنًا منه أنهم قد وقعوا في المصيدة، وهو لا يعلم أن الرب شدّد قلبه ولحقهم ليتمجد به وبجيشه وليعرفوا أنه الرب (خروج14: 4)· وإن كان الشعب قد فزع وخاف وصرخ عندما رأوا فرعون، لكن الرب السيد - وإن كان مجهولاً للعيان - هو يراقب الأمور ويرتِّب الخلاص· وموسى عبده وكأنه وقف على قمة البرج، وقال قولته الشهيرة «قفوا وانظروا خلاص الرب··· الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون» (خروج14: 13-14)·
عبور البحر الأحمر
قصد الله أن يضع الشعب في هذا الموقف الصعب الذي لا تنفع فيه أي محاولات بشرية: فالبحر أمامهم ولا يملكون أسطولاً بحريًا لعبوره، والجبال عن يمينهم وشمالهم ولا يملكون أطنان الديناميت التي تشق لهم طريقًا في الصخور، وفرعون خلفهم ولا يملكون جيشًا مسلحًا ليخلصوا منه· فماذا هم صانعون؟
صراخ··· وقوف··· رحيل
لقد صنع الرب الخلاص وما عليهم، بعد أن صرخوا، إلا أن يقفوا وينظروا خلاص الرب، ثم يرحلوا ويعبروا البحر ويتمتعوا بهذا الخلاص·
صديقي القارئ، يا من تشعر بخطاياك وآثامك الكثيرة أمامك وخلفك، عن يمينك ويسارك، والموت والدينونة هما مصيرك؛ ليس عليك إلا أن تفعل هذه الثلاثية:
1- أن تصرخ من كل قلبك إلى الرب المخلِّص فإنه قد صنع لك الخلاص على الصليب، فستجده سامعًا لك «هذا المسكين صرخ والرب استمعه ومن كل ضيقاته خلّصه» (مزمور34: 6)·
2- أن تقف ولا تحاول أن تخلّص نفسك بأعمال صالحة تفعلها لأن الكتاب يقول عن أفخر أعمال الإنسان أنها كثياب قذرة بالية (إشعياء64: 6)· بل تقف وتنظر «إلتفتوا إليَّ وأخلصوا يا جميع أقاصي الأرض» (إشعياء45: 22)·
3- أن ترحل مستريحًا على عمل المسيح من جهة ماضيك، مطمئنًا لأن الرب فتح أمامك بابًا وطريقًا لا يستطيع أحد أن يغلقه، لأنه يفتح ولا أحد يغلق·
لقد ارتحل الشعب وفصل عمود السحاب بينهم وبين المصريين· وهذا ما نراه في صليب المسيح الذي قسم العالم إلى فريقين: مؤمنين وهؤلاء لهم سلام في الداخل ونور لحياتهم وخلودهم؛ وفريق عالم الأشرار بلا سلام في الحياة وتنتظرهم ظلمة أبدية·