أُخذت بهذا العنوان الذي يتصدر غلاف كتابٍ رأيته عند أحد باعة الصحف، بينما كنت أسير الهوينى على إفريز محطة السكة الحديد، منتظرًا وصول قطاري· التقطت الكتاب، ورحت أفتش فيه مستغرقًا، حتى نبّهتني احتجاجات البائع، مخبرًا إياي أن عليّ أن أُنقده ثمن الكتاب وإلا فلأذهب إلى حال سبيلي· نقدت الرجل جنيهاته، وهرولت إلى قطاري الذي أتى وأوشك على المغادرة، وأنا لاهٍ عنه· رُحت أقلب في صفحات الكتاب، وفي أروقة الذاكرة دَهِشًا، متأمّلاً·
قرأت عن ألفيس بريسلي الذي كان سائق سيارة نقل، وبدأ الغناء فصعد نجمه بسرعة الصاروخ، بدءًا من عام 1956، حتى إنه قد بيعت من أعماله ما يقرب من نصف مليار اسطوانة في حياته، زادت على المليارين بعد وفاته· لُقِّب بملك الروك أند رول ، حتى إنه في يوم وفاته ظهر الرئيس الأمريكي كارترلينعيه قائلاً: "إن وفاة الملك قد جرّدت أمريكا من أحد أجزاء أبجديات اسمها"·
كان الإعجاب بهذا المغني جنونيًا، حتى أن الناس كانوا يلقون بأنفسهم أمام عربته - وهي سائرة - ليحظوا بنظرة واحدة منه· أما عن ثروته فحدِّث ولا حرج، كان يمتلك عددًا لا يُحصى من القصور، كانت مقابض أبوابها من الذهب الخالص، وأسطولاً من سيارات الرولزرويس، كما امتلك أربع طائرات لتنقلاته الخاصة· ومما يذكر عن ثرائه الفاحش أنه كان يسير ذات يوم مع بعض أصدقائه، فعرج على محل لبيع السيارات وابتاع لهم 14 سيارة· لاحظ مرة فتاة ترمق سيارته الكاديلاك وتدور حولها بإعجاب، فوهبها إياها· إلا أن شهرته الطاغية وثروته الفاحشة لم تمنحه أدنى شعور بالسعادة التي كان ينشدها، إذ أن جميع المقربين منه أكدوا أنه كان دائما تعسًا وحيدًا، يحاول الهروب من حياته بالمهدئات والعقاقير· كان في غِناه الفاحش كسليمان الذي كل ما اشتهته عيناه لم يمسكه عنهما (جامعة2: 10)، ولكنه لم يجد طعمًا لأي شيء فيما هو تحت الشمس، إذ إنه باطل الأباطيل الكل باطل ولا منفعة تحت الشمس· وهكذا أنهى حياته بسبب الكم الهائل من العقاقير المهدئة من كل نوع، في 16 أغسطس 1977 دون أن يعرف للفرح طريقًا·
كانت مارلين مونرو نجمة الشباك الأولى في فترة الخمسينيات في هوليوود· وألمع وجوه السينما العالمية، اتفق النقاد على أنها لم تكن موهوبة فنيًا، إلا أنها اشتهرت باللقطات النجسة، ومنها أتت شهرتها؛ حتى إنه ذُكر عنها -بعد أول أفلامها - أنها طارت إلى سماء الشهرة على جناحي فضيحة· كانت صديقة مقرَّبة للرئيس الأمريكي جون كينيدي· ورغم جمالها وثرائها وشهرتها، لم تشعر أبدًا بالسعادة· كانت تتمنى لجمالها أن يدوم ولشهرتها أن تستمر، ولكن عبثًا·· فكل مجد الإنسان كزهر عشب (1بطرس1: 24)· أدمنت الكحوليات والمهدئات، وكانت تردد لمن حولها: "صرت عبئًا ثقيلاً على نفسي وعلى الناس، وصار الناس عبئًا عليَّ، قالوا إنى جميلة وأخذوا ينظرون إليَّ كلما ازدادت حياتهم قبحًا·· هل هذه حياتي؟ وهل هذا مصيري؟ إن الحياة عبث"· هربت مرة إلى معسكر للهنود الحمر، تعيش معهم وتدرس طقوسهم، وقالت لمن وجدوها: "إنني أبحث عن السلام الباطني بعد أن أصبحت روحي فارغة"· إلا أنها لم تجد هذا السلام أبدًا، لأنه «لا سلام قال الرب للأشرار» (إشعياء48: 22)· ووُجِدَت منتحرة في غرفتها في 4 أغسطس62 عن طريق تناول كميات هائلة من المهدئات·
ثم تذكَّرت ما قرأته - حين كنت بعد في الرابعة عشرة من عمري - في جريدة الأهرام، عن خبر انتحار المغنية المصرية الفرنسية داليدا، تاركة وراءها رسالة تقول فيها: "سامحوني؛ الحياة لم تعُد مُحتمََلة"· اختيرت داليدا - بنت شبرا - كملكة جمال مصر عام 54، ثم هاجرت إلى فرنسا؛ حيث أحرزت نجاحًا كمغنية لم تصل إليه مطربة في جيلها· كانت تغني بثماني لغات، ومُنحت تكريمًا خاصًا من الرئيس الفرنسي شارل ديجول، في سبق لم يحدث لأي فنان قبلها· إلا أنها عاشت كسيرة القلب، أدمنت المخدرات والخمور في محاولة لأن تنسى عذابها ووحدتها، بعد انتحار أقرب ثلاثة أشخاص إليها في أوقات متتالية· سافرت إلى نيبال لتدرس الهندوسية، ظانّة أنها يمكن أن تجد السلام المفقود· وأخيرًا انتحرت بجرعة من الحبوب المنومة، تاركة وراءها 30 مليون فرنك، وقصرًا في حي مونمارتر بباريس، ورسالة تُعلن فيها عن حمل الحياة الثقيل؛ بالرغم من ملايينها وجمالها وشهرتها· أجل، فما أثقل الحياة بدون رجاء! ما أمَرّها بدون المسيح مهما امتلكت من أمور العالم·
وبحثت عن المزيد على شبكة الإنترنت، وقد أذهلني انتحار ديل كارنيجي الكاتب الأمريكي الشهير صاحب معهد شهير في فن التعامل مع الناس، وكاتب أكثر الكتب مبيعًا في العالم، حيث بيعت ملايين النسخ من كتبه، وتُرجمت إلى أكثر اللغات العالمية، فهو صاحب كتاب "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثِّر في الناس"، ولكن بعيدًا عن المسيح أنَّي لبعض المبادئ الإنسانية الراقية أن تفيد حتى كاتبها؛ وهو أيضًا صاحب الكتاب الشهير دع القلق وابدأ الحياة · لكن كاتبه عصف به القلق؛ فأنهى الحياة·
وما زالت القائمة تضم الكثير: فهناك فان جوخ الرسام الشهير الذي بيعت لوحته "زهرة الخشخاش" عام 1990 بحوالي 80 مليون دولار؛ والجدير بالذكر أن الرسام الهولندي كان واعظًا قبل أن يرسم، لكنه لم يعرف شخصيًا المسيح المخلِّص، فلم يعرف السعادة أو الحب أو الأمان·
وهناك كريستينا أوناسيس ابنة الملياردير اليوناني أوناسيس، صاحب الجُزر والأساطيل البحرية والطائرات والمليارات، الذي يُعَد من أكبر أثرياء العالم· ولأن كريستينا وريثته الوحيدة، فقد ورثت عن أبيها كل ثروته الهائلة، إلا أن ذلك لم يحقق لها السعادة التي تبحث عنها· وبعد أن سئمت حياة الترف والثروة، ذهبت لتعيش في منزل متهالك في أحد أحياء موسكو الفقيرة، إلا أنها أصيبت باكتئاب مزمن، ولم تستطع الثروة أن تحقق لها أبسط معاني السعادة، وأقل درجات الرضى والطمأنينة، فقررت الانتحار·
ولا ينسى العالم اسم الروائي الأمريكي الشهير أرنست همنجواي، الذي حاز بروايته "العجوز والبحر" جائزة نوبل للأدب، حيث أصبح بعد ذلك من رواد الأدب العالمي، وبلغت شهرته الآفاق، بكتابته الأدب الراقي، ولكنه أطلق النار على نفسه ليضع خاتمة حياته·
كما أننا لا ننسى رسام الكاريكاتير والشاعر المصري الموهوب، الذي كتب معبِّرًا عن ملله وضيقه بالحياة قائلاً:
الدنيا دي أوضة كبيرة للانتظار
فيها ابن آدم زيّه زي الحمار
الهَمّ واحـد والمـلَل مُشترك
وما فيش حمار بيحاول الانتحار
إلا أن شاعرنا لم يستطع تحمّل الملل والاكتئاب، فانتحر·
صديقي: هل تستغرب ما فعله هؤلاء؟ لا تفعل·· فقد ثبت فيهم جميعًا صدق قول الرب يسوع: «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا» (يوحنا4: 13)· لا ينفي الكتاب المقدس أن للعالم بريقه، ولكنه يخبرنا بوضوح أن بريق العالم خادع زائف، وان كل ما فيه هو آبار مشقّقة لا تضبط ماء (إرميا2: 13)، وأن «العالم يمضي وشهوته، أما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد» (1يوحنا2: 17)· قال القديس أوغسطينوس: يا الله لقد خلقتنا لذاتك، ولن تجد نفوسنا راحتها إلا فيك · كما أن الكتاب لا ينكر أن للخطية متعتها؛ لكنه أوضح أنه تمتع وقتي سريعًا ما يزول· وما كان يسبب للإنسان متعة في أول الأمر؛ تقل متعته تدريجيًا حتى تتبخر اللذة وتزول، تاركة الحسرة واليأس والندم· إنها في الآخر تلسع كالحية و تلدغ كالافعوان (أمثال23: 31 ،32)·
ليتك تصدِّق أنك لن تجد شبعك في أي أمر من أمور العالم، مهما بدا فاتنًا خلاّبًا·
ألا تأتي إلى المسيح فيعطيك ماءً حيًّا؟ فتجد لحياتك معنىً وقيمة، وتدرك الغرض الحقيقي من وجودك، فتنطلق نحو الهدف·