راحة قلبك في هذه الكبسولة
أُعلَن أخيرًا، في مؤتمر عُقد بالولايات المتحدة، عن ظهور ما يُعرف بـ الكبسولة المتعدِّدة ، التي تقي من الذبحة الصدرية بنسبة تصل إلى 80%· والكبسولة تحتوي على 7 أدوية عبارة عن: مخفضّ للدهنيات، ومخفضات لضغط الدم، وفوليك آسيد، وأسبرين· إذا تناول الشخص كبسولة واحدة يوميًا، يحيا حياة سعيدة، لا يرى فيها عناية مركزة، ولا قسطرة، ولن يصبح طبيب القلب، هو حبيب القلب·
أما الحدث العلمي المنافس فهو الوجبة المتعددة التي كان يتناولها الإنسان الأول صاحب العمر الطويل، فمثلاً آدم عاش 930سنة، وشيث 912، وأنوش905، ومتوشالح أكثر المعمرين 969سنة· والوجبة المتعدّدة تتكون من السمك بأنواعه، وفواكه وخضراوات بكثرة، مع ممارسة بعض الرياضة الخفيفة كالمشي لمدة 20 دقيقة أربع مرات أسبوعيًا· ومادة البحث مستقاة من الكتاب المقدس عندما «أوصى الرب الإله آدم قائلاً: من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً» (تكوين2: 16)·
أما الكبسولة المضمونة لراحة القلب والنفس والتي تجعل الإنسان أقل قلقًا، وأكثر فرحًا، وأطول عمرًا، هي الوصية الإلهية التي نجدها في رسالة الرسول بولس لمؤمني فيلبي - وهي أول بلد أوروبي يزوره الرسول - هذا محتواها:
1- «افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا افرحوا» (فيلبي4: 4)
رغم الظروف المعاكسة والشدائد والضيقات والفقر والسجن (فقد كان لبولس 4 سنوات مسجونًا في روما)، والمؤمنون من حوله أنانيون، إذ «الجميع يطلبون ما هو لأنفسهم»؛ إلا إنه كان فَرِحًا بالرب· فالمسيح لم يترك لنا فقط سلامه، بل فرحه أيضًا يثبت فينا (يوحنا15: 11)· والفرح ينبع من شركتنا مع الآب ومع ابنه، فلا الأشياء، ولا الأحداث، ولا الأشخاص، تمنع عنا فرح الرب· قال أحد خدام الرب: "يومًا أكون في عُرس، ويومًا آخر أقف على مقربة من قبر مفتوح، وفي خدمتي تراني يومًا أربح عشرة نفوس للرب، ولكن ولفترة طويلة لا أربح أيّة نفس، تتغير الأيام وتتبدل، كتغير حالة الجو؛ ومع كل هذا ففرحي ثابت ودائم، والسر يكمن في قول المسيح «وها أنا معكم كل الأيام» تتغير الأيام كيفما تتغير، أما إلهي فلا يتغير"·
2-«ليكن حلمكم معروفًا عند جميع الناس» (فيلبي4: 5)
واللفظ حلم (gentleness) لا تعني الكياسة، واللطف، والسلاسة، فقط؛ بل تأتي بمعنى الخضوع والتفكير الصحيح، والاستعداد للتنازل عن أفكارنا الشخصية وحقوقنا المدنية· فالسعادة وراحة القلب في التواضع وليست في الكبرياء، في الاكتفاء وليست في الطمع، في المحبة وليست في البغضة·
3- «الرب قريب» (فيلبي4: 5)
إنه أقرب من الأخ، فقد يطاردني أخي، ذلك الذي للشدة يولد، فأذهب إلى الرب المحب الألزق من الأخ، وأصرخ اليه: «نـجِّني من يد أخي··· لأني خائف منه» (تكوين32: 11)، فيسمعني وينجيني· بل هو أقرب من أبي وأمي يقول النبي داود: «أبي وأمي قد تركاني والرب يضمني» (مزمور27: 10)· بل وأقرب من الزوج لزوجته؛ فلم يعرف القانة ، الزوج، السبب الذي من أجله لم تاكل زوجته "حنة"، بل وكانت تبكي ومكتئبة القلب (1صموئيل1: 8)؛ لذا ذهبت إلى الرب وأفرغت ما بداخلها، وبعد ذلك أكلت ولم يكن وجهها بعد مغيَّرًا (1صموئيل1: 18)· فعندما تنضب وتجف ينابيع المحبة البشرية، فعلينا أن نلقي بأنفسنا في أحضان المحبة الإلهية·
إن سيدي وربي قريب مني ففي مرضي يأتي ويشفيني·ومن الشر والأشرار ينقذني و يحميني
4- «لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتُعلَم طلباتكم لدى الله» (فيلبي4: 6)
إن المؤمن المسيحي يمكنه أن يتحرّر من كل قلق، ومن كل خوف وارتباك، وذلك عندما لا يهتم بأي شيء، بل فقط يصلي لأجل كل شيء، ويشكر على كل شيء· أما إذا ارتعب وخاف تدهورت حالته، وساءت نفسيته، كما يقول أيوب: «لأني ارتعابًا ارتعبت فأتاني، والذي فزعت منه جاء عليّ» (أيوب3: 25)·
فالقلق تزداد حدته وخطورته كلما نظرنا إلى أنفسنا وتحدّثنا إليها، وتحدثت هي إلينا، لذا فلنطرح أنفسنا وهمومنا عليه، فلم يَقُل الكتاب: "صِف للرب همك"، بل «ألق على الرب همك فهو يعولك» (مزمور55: 22)، أي اتركه، ولا تأخذه معك· ويا لروعة ونتائج صلاة طرح الهموم والأثقال!
5- «و سلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وافكاركم في المسيح يسوع» (فيلبي4: 7)
أعرف أسرة مسيحية من مدينة أسيوط، كانت تصلي بدموع لأجل عائلها الذي ستُجرى له عملية خطيرة في مدينة لندن، لكنه مات! فهل ضاعت الصلاة؟ حاشا، لقد تمتعوا بسلام الله العجيب الذي يحرس القلب ويقي النفس· لقد وصلهم الخبر وهم يستعدون للذهاب إلى الإجتماع، فهل ذهبوا؟ نعم ذهبوا، وكان يوم أحد، فلم يخبروا أحد، بل تماسكوا، وذهب الجميع إلى الاجتماع، وصنعوا ذكرى موت الرب، وبعد الاجتماع أعلنوا الخبر في هدوء ورصانة· فيا لسلام الله!
6- اضبط فكرك
لا يمكننا ضبط أفكارنا، وطرد الأفكار الشريرة إلا بالتفكير في شخص المسيح وعمله وصفاته، فعلينا أن نفكر في:
«كل ما هو حق (كل ماهو صادق وحقيقي وجدير بالثقة)، كل ما هو جليل (أي كل ما يستحق الاحترام ومكرَّم)، كل ما هو عادل (أي بار أمام الله والناس)، كل ما هو طاهر (أي كل ما يتصف بالسمو والخُلق)، كل ما هو مُسِرّ (أي جميل للنظر والسمع والتأمل فيه)، كل ما صيته حسن (أي مقبول ومُستحسَن)، إن كانت فضيلة (أي كل رقي أدبي وخُلُقي)، وإن كان مدح (كل ما يستحق الثناء)؛ ففي هذه افتكروا» (فيلبي4: 8)·
7- عش صحيحًا
إن الحياة الصحيحة لا تنتج إلا من خلال التفكير الصحيح، وقد وضع الرسول بولس نفسه كنموذج لشخص تمثل بالمسيح (1كورنثوس11: 1)، فيوصي قائلاً: «وما تعلمتموه وتسلمتموه وسمعتموه ورأيتموه فيّ فهذا افعلوا· وإله السلام يكون معكم» (فيلبي4: 9)·
فإذا كان سلام الله من نصيب الذي يصلّي صلاة صحيحة، فإن إله السلام هو رفيق من يعيش عيشة مقدسة وصحيحة· فيا لها من راحة للقلب وسلام للنفس، «فماذا نقول لهذا· إن كان الله معنا فمن علينا؟» (رومية8: 31)!