النهر مجرى مائي عذب تنمو على ضفتيه الأشجار. وينبع النهر من تجمع مياه الأمطار، أو من ذوبان ثلوج الجبال العالية، أو من بعض البحيرات. ويستمر النهر في سيره مارًا بمراحل ثلاث :
مرحلة الصبا: حيث ينمو النهر ويقوى، ثم البلوغ: أفضل حالات النهر، وأخيرًا الكهولة قبل أن يصب في بحر أو بحيرة.
والدور الذي لعبته الأنهار في تاريخ الشعوب من بداية التاريخ هو دور لا يناقشَ ولا يُنكَر. فعلى ضفاف الأنهار بدأت حضارة الإنسان. ويوجد اليوم في العالم عشرات الآلاف من مجاري المياه الكبيرة والصغيرة، وللأنهار في الكتاب المقدس مكان هام. يكفى أن نذكر أن الكتاب المقدس يبدأ بذكر النهر الذي كان يسقي جنة عدن (تكوين2)، ويختم بنهر الحياة في وسط فردوس الله (رؤيا22). يذكر لنا الكتاب المقدس أسماء حوالى 16 نهرًا. أشهرها نهر الأردن في فلسطين، ونهر النيل في مصر، ونهر الفرات في العراق.
نهر الأردن
الأردن هو النهر الوحيد الكبير في أرض فلسطين. ولهذا فإنه يلعب دورًا هامًا على صفحات الوحي في كل من العهدين: القديم والجديد.
يبدأ نهر الأردن بتجمع أربعة نهيرات تعتبر مصدر النهر ، هي براغيث: وهو أصغر هذه النهيرات، ثم حصباني أطول هذه الأنهار. وكلاهما في لبنان. وهما يتحدان معًا في نهر واحد قبل بداية نهر الأردن. ثم نهر اللدان: أكبر الأنهار حجمًا وأغزرها ماءً. ثم بانياس أجمل هذه النهيرات. وكلاهما في سوريا، وهما يتحدان أيضًا معًا قبل بحيرة الحولة بمسافة 8 كم. وأما مصب نهر الأردن فهو البحر الميت.
والمسافة من منبع النهر حتى يصب في البحر الميت حوالي160كم منها نحو 17كم من بحيرة الحولة حتى بحر الجليل. ونحو 100كم من بحر الجليل حتى البحر الميت، أما بحر الجليل (ويسمى أيضًا بحيرة طبرية) فطوله حوالى20كم.
وهناك عدة أنهار تصب في نهر الأردن من ناحية الشرق وهذه الأنهار هي: اليرموك بالقرب من عين نون حيث كان يوحنا المعمدان يعمد (يوحنا 3: 23)، وكريث حيث اختبأ إيليا من وجه الملك آخاب (1ملوك 17: 2) ثم يبوق، حيث المخاضة التي عبرها يعقوب قبل لقائه بأخيهِ عيسو، ومصارعته مع الملاك (تكوين 32: 22-32).
وبجوار البحر الميت توجد الجلجال بقرب الموضع الذي عبر منه بنو إسرائيل تحت قيادة يشوع بن نون ليدخلوا أرض كنعان وهي لا تبعد كثيرًا عن مدينة أريحا ذات الشهرة في التاريخ القديم والسياسة المعاصرة أيضًا.
يتميز نهر الأُردن بميزتين : أولًا هما كثرة التعوجات، ثانيًا: كثرة المنحدرات . فمع أن المسافة بين بحر الجليل والبحر الميت كما ذكرنا هي تقريبًا 100كم لكن نظرًا لتعوجات النهر الشديدة فإن المسافة الفعليّة له هي 320كم.
وأما عن منحدراته فنقول أن كلمة الأُردن (وهي من أصلٍ عبري) تعني المنحدر. فارتفاع المنبع في حاصبيا حوالى 520 مترًا فوق سطح البحر، أما بحيرة الحولة فإنها ترتفع حوالى 3 أمتار فقط، وعندما يصل إلى بحر الجليل فإنه ينخفض عن سطح البحر 210مترًا، وأخيرًا فإن البحر الميت (وهو أوطى نقطة في كل العالم) أوطى من سطح البحر بنحو400 متر. ولهذا فإن نهر الأردُنْ غير صالح للملاحة، إذ يوجد 27 إنحدارًا مائيًا بين بحر الجليل والبحر الميت كما أن الأرض حول الأُردُنْ سبخة والحرارة مرتفعة والحيوانات مخيفة وكثيرًا من المناطق لم تُسكن، وكانت حتى عهد قريب غير مطروقة على الإطلاق. قال واحدًٌا: ربما على سطح أحد الكواكب الأخرى نجد بقعة تشبه وادي الأردن. لكن على كوكب الأرض لا يوجد. ولقد شبه أحدُهم هذا النهر بحياة الإنسان: يبدأ مرتفعًا صافيًا شفافًا ثم يأخذ في الإنحدار المتوالي إلى أن يصل إلى نهايته السوداء في البحر الميت. والبحر الميت بحيرة مغلقة لا مخرج له (صورة للموت الثاني: البحيره المتقدة بالنار والكبريت، التي لا مخرج منها على الإطلاق) وطوال رحلة النهر يتلوّي النهر بجنونٍ محاولًا باستماتة الإختباء أو الهرب من مصيره المخيف هذا !!
لهذا فإن نهر الأردن يصور لنا البشرية العاجزة في رحلتها نحو مصيرها المحتوم. لكن هل تعرف ما هي أشهر الإشارات إلى نهر الأردن في الكتاب المقدس؟ إنها عندما تقدم المسيح ونزل في مياه نهر الأردن ليعتمد من يوحنا. وكان ذلك صورة لقبوله حكم الموت الذي كنا نستحقه نحن بسبب خطايانا. فَقَبِل المسيح أن ينزل إلى نهر الأردن ثم بعد ذلك ذهب ليموت باختياره على الصليب. وذلك كي ما يخلصنا من الموت الأبدي (عبرانيين 2: 14،15) .