من هو زكريا؟
حديثنا عن زكريا النبي المُسمّى ”زكريا بن عدو“. وهو صاحب سفر زكريا، السفر الحادي عشر بين أسفار الأنبياء الصغار. وقد كان معاصرًا لحجَّي النبي، وقد أرسلهما الله معًا لتوصيل رسالته إلى البقية التي عادت من السبي إلى بابل. وتوجد بعض التواريخ الهامة اللازم معرفتها لمن يريد أن يدرس أحداث هذه الفترة:
-
السبي الأول إلى بابل حوالي سنة 605 ق.م.
-
سقوط أورشليم أمام جيوش بابل حوالي سنة 587 ق.م.
-
أول بقية عادت من السبي إلى أورشليم حوالي سنة 538 ق.م.
-
بدء خدمة حجَّي وزكريا النبيين حوالي سنة 520 ق.م.
-
اكتمال بناء الهيكل حوالي سنة 516 ق.م.
كان الهدف الأول للبقية الراجعة من بابل: بناء هيكل الرب. وبدأوا فعلاً العمل بهمّة ونشاط، لكنهم سرعان ما تراخوا ثم توقفَّوا. فأرسل الله حجَّي وزكريا لهم برسائل متعددة لإيقاظهم. كانت رسائل حجَّي تتصف بالتوبيخ والحثّ على العمل، أما زكريا فبالتشجيع واستحضار الرجاء.
زكريا تعني ”الرب يذكر“. وفي معنى اسمه باعث قوي لشعبه على الاستمرار في العمل؛ إذ أن عين الرب عليهم، وهو يلاحظهم، ولا يمكن أن ينساهم، حتى لو بدت كل الظروف صعبة ومؤلمة.
وقد كان زكريا - على أغلب الظن - صغير السن، مجرد غلام (2: 4)؛ لكن الله استخدمه في رسالة عظيمة يمكن أن نسميها: ”كلام طيب وكلام تعزية“.
رسالة زكريا
لما بدأ زكريا رسالته، كان مشروع بناء الهيكل في تقدُّم مستمر. لكن بسبب ضخامة المسؤولية، وقِلّة الموارد، وضعف الامكانيات؛ بدأت أعراض الإعياء تظهر عليهم. ويبدو أن زكريا أحسّ بالحالة، وخاف عليهم من الخوران والتوقف، فجاء لهم بكلمات مناسبة من عند الرب، دفعهم بها للاستمرار. وبالفعل استمر الشعب، واكتمل بناء الهيكل بعد أربع سنوات.
وقد احتوت رسالة زكريا على رؤى وإعلانات عديدة؛ فالأصحاحات 1 حتى 6 تحتوي على ثمانِ رؤى، والأصحاحات 9 حتى 14 تحتوي على مجموعة نبوات، أما أصحاحي 7 و8 فبهما إجابات لأسئلة كانت لدى الشعب.
في رؤى زكريا المتتالية، نرى رسالة واضحة من الله لهم، تتلخص في أنه هو وحده صاحب السلطان على كل أمم الأرض.
كانوا محاطين بشعوب أكثر وأقوى، كانوا يشعرون بالضعف والمحدودية، كانوا يخافون من أعدائهم. وأراد الرب أن تتحول عيونهم مما حولهم، وممن يحيطون بهم، إليه هو وحده: سيد الأرض كلها، والممسك بزمام كل شيء.
والرؤيا الخامسة المدوَّنة في الأصحاح الرابع، لنا فيها دروس روحية هامة:
-
«لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي قال رب الجنود» (4: 6). إن عمل الله لا يُنجَز بالوسائط البشرية، ولا بالكفاءة الإنسانية، بل بقوة روح الله. كان زربابل يشعر بجسامة المسؤولية وكأنها كالجبل الذي يعترض طريقه. لذا أتته الكلمات: «من أنت أيها الجبل العظيم؟ أمام زربابل تصير سهلاً»؛ كيف؟ لأن العمل سيتم بقوة روح الله. ألم يقُل المسيح لتلاميذه: «لكنكم ستنالون قوة متى حَلّ الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودًا...» (أعمال1: 8). ألم يشجِّع بولس تيموثاوس بالقول: «لأن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح» (2تيموثاوس1: 7).
-
«لأنه من ازدرى بيوم الأمور الصغيرة» (4: 10). الله يُسَرّ أن يستخدم الأمور الصغيرة، فقد استخدم عصا موسى (خروج4: 2)، ومقلاع داود (1صموئيل17)، ولحي حمار (قضاة15: 15)، ووتد خيمة (قضاة4: 21)، وأرغفة شعير مع سمك قليل (يوحنا6: 9). وهو يستخدم الصغار أيضًا كإرميا وزكريا ويوشيا.
إن قوّته تظهر في ضعفنا, ألا يشجعنا هذا أن نضع نفوسنا وما لدينا بين يديه فيستخدمنا لمجده؟!
زكريا والمسيح
في القسم الثاني من السفر يحدِّثنا زكريا عن المسيح، وربما يكون هو النبي التالي لإشعياء في عدد النبوات عن المسيح. وقد تنبأ عن المجيئين الأول والثاني.
عن مجيئه الأول تحدّث عن دخوله إلى أورشليم متضعًا (9: 9)، وعن الثمن الذي ثمّنوه به وهو ثلاثين من الفضة (11: 12،13)، وعن ضرب الراعي بسيف الدينونة الرهيب (13: 7).
وعن مجيئه الثاني يذكر بوضوح ظهوره بقوة فائقة ومجد عظيم، حتى أنه عندما تمسّ قدماه جبل الزيتون سينشقّ إلى اثنين (14: 3،4). وفي ظهوره سيُعرف من شعبه الذي سبق ورفضه، فينظرون إليه كمن طعنوه، ويتوبون عن جرمهم الذي اقترفوه (12: 10).
هذه رسالة هذا الرجل العظيم، الذي عاش في أيام صعبة، وعاصر ظروفًا قاسية، لكنه خدم بأمانة، وأعلن رسالة الله بوضوح، ولمّع الرجاء قدام شعبه، مستحضرًا شخص المسيح أمامهم. فلنتشجَّع نحن أيضًا عالمين أنه «لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود».