يخبرنا سفر دانيال أنه في السنه الثالثة من مُلك يهوياقيم ملك يهوذا، ذهب نبوخذناصَّر ملك بابل إلى أورشليم، وحاصرها، وسلّم الرب بيده يهوياقيم ملك يهوذا (دانيآل1: 1-2).
وأمر الملك أشفنز رئيس خصيانه بأن يحضر من بني إسرائيل ومن نسل الملك ومن الشرفاء فتيانًا لا عيب فيهم.
وإليك يا قارئي العزيز جوانب كمال هؤلاء الرجال:
1- مقامهم: كاملون
كانوا من بني إسرائيل، وكانت حالة بني إسرائيل رديئة استلزمت معاملات الله التأديبية، فأرسل ملك بابل ليسبيهم؛ لكن يظلّ مقامهم، المؤسَّس على نعمة الله، كاملين. فالله بنعمته لم يبصر إثمًا في يعقوب ولا رأى تعبًا في إسرائيل (عدد23: 21). فليتك تُدرك، أخي المؤمن، أن الله يرانا في المسيح قديسين وبلا لوم (أفسس1: 4)، وهذا يدفعنا لنكون كاملين بطريقة عملية، كما قال الرب يسوع: فكونوا أنتم كاملين (متى5: 48).
2- كانوا كاملين لأنهم مُصرّون
فلقد عيَّن لهم الملك وظيفة كل يوم بيومه من أطايب الملك ومن خمر مشروبه (دانيآل1: 5). وغالبًا ما يكون في أطايب الملك لحم ذُبح للأوثان، وبهائم كانت حسب الناموس تُعتبر نجسه. وعيّن لهم أيضًا خمرًا. ولكن يخبرنا الكتاب أن دانيآل «جعل في قلبه (أي صمم) أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه فطلب من رئيس الخصيان أن لا يتنجس».
ويومًا صنع نبوخذناصَّر تمثالاً من ذهب، وأمر الجمع أن يسجدوا له، ومن لا يسجد يُلقى في آتون النار. لكن رفض حنانيا وميشائيل وعزريا، وبإصرار، أمر الملك. واجابوه قائلين «يا نبوخذناصَّر لا يلزمنا أن نجيبك على هذا الأمر هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من آتون النار المتقدة وأن ينقذنا من يدك أيها الملك. وإلا فليكن معلومًا لك أيها الملك أننا لا نعبد إلهك، ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته» (دانيآل3: 16-18).
تأمل معي أخي العزيز كلمة ”وإلا“، أي أنه حتى لو كانت مشيئة الله أن نُحرق ونموت في آتون النار، فنحن مُصرّون على عدم السجود للتمثال. فالأمر لا يقبل أي تردّد أو تراجع. فهل نتعلم نحن هذا الدرس الرائع؟
3- كانوا كاملين لأنهم مُصلّون
فيومًا حلم نبوخذناصَّر حلمًا، وهل تعلم ماذا طلب من حكماء بابل؛ لم يطلب منهم تفسير الحلم، كعادة الملوك، لكنه طلب منهم أن يخبروه أولاً بالحلم ثم يفسّروه.
وهل تعلم ماذا كان قضاء الملك إن لم يفعلوا ذلك؟! «يصيرون إربًا إربًا ويجعل بيوتهم مزبلة».
تُرى كيف حُلّت هذه المُعضلة؟! لقد طلب دانيآل من حنانيا وميشائيل وعزريا أن يطلبوا الرحمة من قِبَل إله السماوات، وكانت النتيجة مبهِرة، فلقد كشف الله السر لدانيآل في رؤيا بالليل؛ فبارك دانيآل إله السماوات (اقرأ دانيآل2: 17-19).
ويومًا أصدر الملك داريوس أمرًا مَلَكيًا أن كل إنسان يطلب من إله أو إنسان غيره لمدة شهر يُلقي في جُب الأسود، فهل تعلم ماذا فعل دانيآل؟! لقد ذهب إلى بيته وكواه مفتوحة في عُليته نحو أورشليم، وجثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم، وصلّى وحمد قدام إلهه كما كان يفعل قبل ذلك (دانيآل6: 10). وكانت النتيجة أنه رُمي في جُبّ الأسود، ولكن هذه الليلة أحلى ليلة في حياة دانيآل، فلقد أرسل الله ملاكه وسدّ أفواه الأسود؛ فماذا تفعل أفواه الأسود المفتوحة أمام مؤمن كِواه مفتوحة.
4- كانوا كاملين لأنهم بالمكتوب عالمون
لقد قرأ دانيآل نبوة إرميا (25: 11-12) وفهم أن مُدة السبي في بابل 70 سنة، وعندما قرأ إرميا29: 10 علم أنه عند انتهاء السبعين سنة سوف يردّ الرب سبي شعبه، لأنه هكذا قال الرب: «عند تمام سبعين سنة لبابل أتعهدكم وأقيم لكم كلامي الصالح بردكم إلى هذا الموضع». لذلك جاءت صلاته بحسب فكر الله: فلقد انتهت السبعين سنة، وهنا هو يطالب الرب بوعده في إرجاعهم من السبي. نعم، فكل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ والتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهبًا لكل عمل صالح (2تيموثاوس3: 16، 17).
5- كانوا كاملين لأنهم ضد التيار سابحون
فلقد أكل الجميع من أطايب الملك ومن خمر مشروبه، أما هؤلاء الفتيان فلم يأكلوا.. لقد كانوا مختلفين.
ولقد سجد الكل لتمثال الذهب الذي نصبه نبوخذناصَّر، وأما هؤلاء الفتيان فلم يسجدوا.. لقد كانوا مختلفين.
ولقد طلب كل واحد طلبته من داريوس الملك الذي جعل نفسه إلهًا لمدة شهر، وأما هؤلاء الفتيان فلم يطلبوا.. لقد كانوا مختلفين.
وكما يقول الكتاب «ولا تشاكوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم» (رومية12: 2).
6- كانوا كاملين لأنهم مضحون
لقد ضحّوا بحياتهم من أجل محبتهم للرب. أسلموا أجسادهم للهيب النار وجب الأسود.
ولقد قال الرب يسوع: «لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر» (لوقا12: 4) نعم وأوصانا مشجِّعًا «كن أمينًا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة» (رؤيا2: 10). لقد ضحى الرب يسوع بحياته من أجلنا، إذًا لنرمي التبر على التراب وذهب أوفير بين حصا الأودية (أيوب22: 24)، ونكسر قارورة الطيب الغالية الثمن على رأسه فهو وحده الذي يستحق ذلك.
7- مكافئة الفتيان الكاملين
- «حينئذ خرّ نبوخذناصَّر على وجهه وسجد لدانيآل» (دانيآل2: 46).
- «حينئذ عظَّم الملك دانيآل وأعطاه عطايا كثيرة وسلّطَة على كل ولاية بابل وجعله رئيس الشحن على جميع حكماء بابل» (دانيآل2: 48).
- وأكثر من ذلك يكفيهم شرفًا أنهم ذُكروا في عبرانيين 11 ضمن سحابة الشهود «الذين بالإيمان ... سدّوا أفواه أسود، أطفأوا قوة النار» (عبرانيين11: 33-34).
«والآن يقول الرب: حاشا لي فإني أكرم الذين يكرمونني، والذين يحتقرونني يصغرون» (1صموئيل2: 30).