باتت الامتحانات وشيكة، فقبع إخوتنا الشباب في منازلهم، يلملمون أوراقهم وكتبهم، يسترجعون معلوماتهم، ويشحذون ذاكرتهم وهمتهم طلبًا للنجاح. يفعلون ذلك تداعبهم أحلامهم، وتدغدغهم آمالهم في تمضية إجازة سعيدة، وأوقات ممتعة ومريحة.
ذهب محرر نحو الهدف مستهدِفًا بعض الشباب ليسألهم عن أحلامهم وآمالهم فيما ينوون أن يفعلوه إبان تلك الفترة المرتقبة، فكانت إجاباتهم كالتالي:
أجاب أحد الشباب - بدون ذكر اسمه - أنه ينوي الإبحار إلى "جزيرة القطن"، حيث ينوي أن يستمتع هناك بوقته أيّما استمتاع، وعندما سألته عن وسيلة إبحاره إلى هذه الجزيرة الغريبة - التي اسمع باسمها لأول مرة - وعن موقعها على الخريطة، أجابني: "إن الأمر أسهل كثيرًا مما تظن، فالأمر لا يعدو أكثر من قفزة من صالة المنزل". "قفزة" ردّدت دهشًا؛ "أجل، ففراشي قريب جدًا من الصالة" أجاب الفتى، وأضاف: "سأحتفظ بنفسي في الوضع راقدًا أطول فترة ممكنة، ومن حسن الطالع أن كل شيء الآن يمكن التحكم به عن بُعد، وعليه فسأحتفظ بأكبر كمية ممكنة من الريموت كنترول وأنا في الجزيرة خاصتي (يقصد السرير): ريموت التلفاز، الفيديو، الدِش، التكييف..الخ". سمعته يخاطب نفسه منصرفًا "تُرى هل سترضى ماما أن تحمل لي الطعام إلى الفراش؟".
وعلى نفس المنوال أجابني العديد من الأصدقاء. وإن صاحب إجاباتهم بعض الاقتراحات البناءة. جون من ديروط كان صريحًا في أنه سينام ما لا يقل عن 12 ساعة يوميًا، أضاف أنه سيخرج للنزهة مع أصدقائه، وسيخدم في مدرسة الأحد؛ وسيحضر الاجتماع كلما أمكن.
سيلڤيا، من أسيوط، قالت إنها ستنام أفضل في الإجازة، كما ستحاول أن تقرأ الكتاب المقدس أفضل، وتحضر ما تيسّر من المؤتمرات.
أدهشني أحد الأصدقاء باقتراحه الاحتفال بالإجازة عن طريق حريق على سطح منزله. سألته: "هل تقصد حفل شواء؟ إنها فكرة طيبة حقًا". أجابني: "كلا؛ بل حرق جميع الكتب المدرسية التي أتعبتني طوال العام"!!
ماري، من أسيوط، قالت إنها تبغي مساعدة والدتها في أمور المنزل، كما تريد أن تحضر اجتماعات لدراسة الكتاب المقدس بالكنيسة، وتحضر أحد المؤتمرات.
ديڤيد، من مصرالجديدة بالقاهرة، كان له برنامج عظيم سيحاول تنفيذه: يريد أن يضع شعارًا يوميًا "لا للكسل" – نشجعك على هذا يا ديڤيد أنت وكل الأصدقاء - ويريد أن ينتهي من قراءة العهد الجديد جميعه، مع حفظ آية جديدة على الأقل يوميًا. يبغي ديڤيد أيضًا أن يتعلم رياضة جديدة مثل التنس.
أحد الشباب من مدينة السلام بالقاهرة، يريد أن يذهب إلى أحد النوادي الرياضية ليتعلم كمال أجسام أو كاراتيه.
وانحصرت آمال العديد من الشباب في السفر للتنزه مع الأسرة، أو مع بعض الأصدقاء علشان "يروشنوا آخر روشنة ". البعض الآخر سيقضي جُلّ وقته في لعب كرة القدم، أو الفرجة عليها منتظرين بلهفة وجبة كروية دسمة في أثناء مباريات كاس العالم، لعله يغدو لاعبًا محترفًا، ومن يعلم فربما يصل سعره الكروي كنجوم السامبا البرازيلية، الذين يصل سعرهم مجتمعين إلى 410 مليون يورو، في هذه الأيام الصعبة التي لا يتجاوز مرتب الطبيب فيها بعد 10 سنوات من الدراسة 410 جنيه مصري (شهريًا).
غيرهم وضع أقصى آماله في أن يجلس إناء الليل وأطراف النهار أمام جهاز الكمبيوتر يلعب games، ويتجول في شبكة الإنترنت، مُخبِرًا إياي أنه لا يَمل من ذلك أبدًا.
حملت اقتراحات الشباب إلى الأخ الحبيب د. عصام عزت، وهو طبيب نفسي فضلاً عن كونه خادمًا للرب، وسألته عن تعليقه أجاب:
-
يتضح لي من اقتراحات الشباب أن كل منهم يشعر أن الاجازة هي وقت فراغ يحتاج أن يملأه بطريقة ما، وهنا كانت الاختيارات عشوائية سواء للأنشطة الزمنية أو الروحية.
-
كثير من الاقتراحات لا تَنُم عن هدف مُعيَّن يستثمر فيه الوقت، وتُظهر الكثير من الميل للاسترخاء والبعد عن الجِدّية، كما أن نسبة الرغبات الزمنية الإنسانية أكثر من الرغبات الروحية وهذا يظهر الميل لتدليل النفس.
ويقدم لنا د.عصام بعض النصائح الهامة:
-
الوقت أمانة أودعها الله إليك فاستثمرها خير استثمار وسوف تجني أنت فوائد جَمّة: زمنيًا أبديًا؛ فأكبر مهمة ينجح فيها الشيطان هي إضاعة الوقت من المؤمنين (أفسس5: 16).
-
الاسترخاء يجعلك قريبًا من السقوط كما حدث مع داود الشيخ (2صموئيل11: 2)، بينما الجدية والالتزام بركة لحياتنا؛ فيد المجتهدين تُغني (أمثال10: 4).
-
ليضع كل واحد لنفسه هدفًا محدَّدًا يحاسب نفسه عليه عند انتهاء الإجازة: كدراسة أسفار مُعيّنة من الكتاب المقدس أو حفظ مقاطع مُعيَّنة منه، أو تعلم شيء مفيد كالموسيقى أو الرسم أو الكمبيوتر.
-
لا مانع من وجود أنشطة إنسانية بريئة، كالرياضة مثلاً، لكن تذكّر أن الأولوية دائمًا هي للأمور الإلهية، فاهتمّ بثوابت مثل: الخلوة، ودراسة الكتاب، وحضور الاجتماعات والمؤتمرات، وأيضًا خدمة الرب.
كما حملت أراء الشباب تلك إلى خادم الرب د. زكريا استاورو فعلَّق عليها قائلاً:
الأراء ليست فقط فيها طرافة، لكنها صادقة، وتمثِّل فعلاً شريحة كبيرة من آراء الشباب في كيف سيقضوا الأجازة الصيفية.
أتمنى وأصلي لأجل دور إيجابي هام جدًا لأجتماعات الشبيبة والشبيبة الناشئة في الكنيسة بخصوص الأجازة، هذا الدور لا يبدأ حينما تنتهي الأجازة، بل يخطِّط له المسئولون والمسئولات بهذه الاجتماعات طوال العام، بل الأعوام، وهذه بركة عظيمة ليس فقط للاجتماعات بل للعائلات التي تتحمل عبء الأجازة، بعد تحملها عبء السنة الدراسية، وبركة للشباب أيضًا. وهذا التخطيط لا يشمل فقط المؤتمرات، ولكن أيضًا الرحلات، والمسابقات الكبرى عن دراسة الكتاب المقدس، والنوادي التي بها الرياضة الروحية والبدنية والدراسات الكتابية، وبيع الكتب المخفضة والتشجيع لذلك مع الاستعارة.. الخ.
أقول كلمة أخيرة للشباب أنه إن ضاعت الأجازة دون الاستفادة منها، ولا سيّما في دراسة الكتاب المقدس (مثلاً وضع هدف دراسة أسفار موسى الخمسة لتشارلس ماكنتوش في فترة زمنية مبرمجة ومحسوبة) فمكتوب: «بِمَ يُزَكِّي الشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ» (مزمور119: 9). وإضاعة الوقت في ما لا يفيد مغالة في الإسراف في أحد عطايا الله الصالحة ، والإسراف من الأمور التي يكرهها الرب، «وَهُنَاكَ بَذَّرَ مَالَهُ بِعَيْشٍ مُسْرِفٍ. فَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيْءٍ حَدَثَ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ فَابْتَدَأَ يَحْتَاجُ» (لوقا15: 13، 14).
وفي النهاية حملت الآراء والتعليقات إلى محرر المجلة، القريب من الشباب، فأفادنا بالآتي:
يعجبني خفة ظل شباب هذه الأيام وتعبيراتهم، ولأني أحبهم جدًا أوَدّ أن ألفت نظر الشباب إلى بضعة أمور:
الأمر الأول أن العطلة الدراسية الواحدة تمثِّل جزءًًا محسوسًا من العمر، فإذا استثنينا سنوات الصبا والشيخوخة وساعات النوم من الحياة، فإن العطلة الدراسية الواحدة قد تشكل ما يقرب من 1% من طول الحياة!
الأمر الثاني أن الاستفادة في عطلة تولِّد استفادة في ما بعدها، بينما الخسارة تقود إلى المزيد من الخسائر.
الأمر الثالث ألخّصه في العبارة القديمة الشهيرة أن "ذهن الكسلان معمل الشيطان"، فزيادة وقت الفراغ تزيد فرص السقوط في الخطية، كما وتزيد فرص المشاكل مع الآخرين والعلل النفسية.
الأمر الرابع أن العظماء في أي مجال، بدأوا في بناء عظمتتهم في سن قرّاء المجلة، فهو سن التعلم وبناء الشخصية وقوة الطاقة الذهنية؛ لذا فإهدار فترة من هذا العمر تعني إهدار فرصة التقدم، سواء روحيًا أو عمليًا او في أي مجال.
لذا فنصيحتي للشباب، بخصوص العطلة الصيفية، اهتم بأن تستثمر كل يوم فيها، كما أوقات فراغك، بما يعود عليك بالفائدة. اعتبر أنك ستقدّم لنفسِك كشف حساب في آخر العطلة بعنوان "ماذا فعلت في الإجازة؟"، فهل ستتركه فارغًا؟! بل اهتم بأن تكتب فيه بضع سطور تضاف لرصيدك طوال حياتك.
وفي النهاية يطيب لي أن أترك معك نصيحة چوني إريكسون: "لديك فرصة مكونة من 24 ساعة لأن تعيش يومًا لم تِعشه من قبل، يومًا فريدًا ومنفصلاً ومميَّزًا عن سائر الأيام، مشحونًا بالإمكانيات والقدرات، والله يمنحك هذه الأربعة والعشرين ساعة لتستثمرها في فرصة أبدية تبلغ قيمتها ملايين السنين". فإما أن تنتهز هذه الفرصة أو تضيعها بلا فائدة.