سبقت الاشارة في عدد سابق إلى أن الخدمة أصبحت مجالاً لتحقيق وتعظيم الذات، واستعراض المهارات· ولقد امتلأت الساحة في الأوساط الكنسية بمن يبحثون عن مكان لأنفسهم، وعن مديح من الآخرين· وقد يكون الدافع هو المكسب المادي، وهو ما يسميه الكتاب: «الربح القبيح»، عندما تتحول الأمور الروحية إلى تجارة· أو قد يكون الدافع هو تحقيق بعض الرغبات الجسدية من خلال النشاط المشترك بين الشبان والشابات· وهؤلاء جميعًا، بهذه الدوافع الجسدية، لا يعنيهم كثيرًا أن يُكرَم المسيح ويتمجد من خلال خدمتهم، وأن تتبارك النفوس وتخلص· وبالطبع هم لا يرفضون ذلك، لكن ليس هذا هو الهدف الأول لنشاطهم· إنهم ليسوا كيوحنا المعمدان الذي قال: «ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص» (يوحنا3: 30)، لكنهم كمرثا التي كانت مرتبكة في خدمة كثيرة، وقالت للرب: «أما تبالي بأن أختي قد تركتني أخدم وحدي» (لوقا 10: 40)· والرب لم يمتدح هذه الخدمة لأن الدافع كان هو تحقيق الذات· وكم من أنشطة وخدمات تؤدَّى بدوافع جسدية وطاقة جسدية أو نفسية، وليست بقوة الروح القدس، ولا لمجد المسيح· وهذه كلها ستحترق أمام نيران الفحص الإلهي لأنها خشب وعشب وقش (1كورنثوس3: 15)·
لكن الكتاب يحدِّثنا عن الدوافع المقدسة التي تميّز الخدمة الحقيقية، والتي تحظى بسرور الرب وإعجابه· ونجد هذه الدوافع مذكورة في 2كورنثوس5·
1· «فإذ نحن عالمون مخافة الرب، نُقنع الناس» (2كورنثوس 5: 11)· عندما ندرك رُعب الدينونة العتيدة، وكم مخيفٌ هو الوقوع في يدي الله الحي، وكم رهيب هو العرش العظيم الأبيض الذي سيقف أمامه كل الأشرار للدينونة· هذا ما قاله بولس لتيموثاوس: «أنا أناشدك إذًا أمام الله والرب يسوع المسيح العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته· اكرز بالكلمة· اعكف على ذلك في وقت مناسب وغير مناسب» (2تيموثاوس4: 1 ،2)· فالشخص الذي يُقدّر حقيقة الدينونة، وقيمة النفوس الخالدة، وعذاب الأشرار بطول الأبدية، لا يحتمل أن يسكت، ولا يهدأ له بال حتى يصل إلى هذه النفوس الهالكة· هذا ما فعله بولس إذ قال: «اسهروا متذكرين أني ثلاث سنين، ليلاً ونهارًا، لم أفتُر عن أن أُنذر بدموع كل واحد» (أعمال20: 31)·
فدعونا بنشاط وثبات
ننذر الشرير من يومٍ عصيب
فالقلائل سيخلصوا ويأتوا
وهلاك لألوف عن قريب
2· كرسي المسيح· «لأنه لا بد أننا جميعًا نُظهر أمام كرسي المسيح، لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع» (2كورنثوس 5: 10)· هناك ستُقيَّم الأعمال بميزان الحق· وكل تعب لأجل الرب، وكل تضحية، وكل عطاء بالجُهد والوقت والمال؛ سوف يحظى بتقدير الرب واستحسانه في ذلك اليوم· وكأس ماء بارد باسمه لن يضيع أجره· وهو لن ينسى أقل شيء عملناه إكرامًا له· وسنحصل على مكافأة من إله المجازاة تبقى معنا بطول الأبدية· ولن نندم على ما قدَّمناه للرب ولن نشعر أنه كان إتلافًا· وعلى العكس، سنندم على ما لم نفعله لأجله، وعلى الفُرص التي اضعناها بجهلنا، ولم نستثمرها· لقد سجّل بولس اختباره الشخصي في نهاية حياته إذ قال: «قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملتُ السَّعيَ، حفظتُ الإيمان، وأخيرًا قد وُضِعَ لي إكليل البر، الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل» (2تيموثاوس4: 7 ،8)· فدعونا نبذل كل اجتهاد ونُكثر في عمل الرب كل حين، عالمين أن تعبنا في الرب ليس باطلاً·
3· محبة المسيح التي تحصرنا (2كورنثوس5: 14)· ليست المكافآت هي الدافع الأسمى للخدمة، بل إن محبة المسيح التي أسرتنا وتُحاصرنا هي التي تُحركنا لكي نتعب ونُضحّي لأجله ونخدمه· لقد «مات لأجل الجميع، كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام» (2كورنثوس5: 15)· إننا أمام هذه المحبة الفائقة المعرفة التي ظهرت في الصليب، لا نستطيع أن نفعل أقل من ذلك· إننا في دين كبير لهذه المحبة، لكي نعيش ملكًا لمن أحبنا، ونكون رهن إشارته، ونردّ صدى حبه بأن نخدمه من خلال النفوس التي أحبها· ويظل المبدأ قائمًا: «بما أنكم فعلت بأحد هؤلاء ··· فبي فعلتم»· وقد قال الرب يسوع لبطرس: «أ تحبني؟·· اِرعَ غنمي»· و«إن أعطى الإنسان كل ثروة بيته بدل المحبة تُحتقر إحتقارًا» (نشيد8: 7)· وقد عاتب الرب ملاك كنيسة أفسس قائلاً: «أنا عارف أعمالك··· لكن عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى· فاذكر من أين سقطت وتب» (رؤيا2: 2 ،4 ،5)·
4· التكليف الإلهي· «أعطانا خدمة المصالحة· أي أن الله كان في المسيح مُصالحًا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم، وواضعًا فينا كلمة المصالحة· إذًا نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا· نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله» (2كورنثوس5: 18-20)· إننا نمثِّل المسيح في هذا العالم المتمرِّد، ونحن سفراء عنه· وعلينا أن نحمل هذه الرسالة: "أن الله يقدِّم المصالحة للعالم على أساس موت ابنه، ولكن في يوم قادم سيعلن الحرب على هذا العالم الذي رفض المسيح وصليبه"·