ملاخي والحقوق الإلهية المناسبة
«إن كنت أنا أبًا فأين كرامتي وإن كنت سيدًا فأين هيبتي»
ملاخي هو الصوت الأخير من الله للشعب في العهد القديم؛ وقد أتت بعده فترة صمت استمرت لمدة 400 سنة تقريبًا، حتى جاء يوحنا المعمدان ليُعدّ الطريق للمسيح.
ونبوة ملاخي هي السفر الثاني عشر والأخير بين أسفار الأنبياء الصغار. وقد تنبّأ ملاخي حوالي سنة 430 ق.م. ومعنى اسمه "ملاكي" أو "رسولي" أي المُرسَل من الرب. وقد أرسل الله ملاخي برسالة للشعب، وبَّخهم فيها على حالتهم الروحية المُنحطَّة، وعلى الشرور الموجودة بينهم.
المحبة والعتاب
بدأ ملاخي حديثه مؤكِّدًا محبة الله للشعب: «أحببتكم قال الرب»، وقلتم «بمَ أحببتنا؟» «أليس عيسو أخًا ليعقوب، يقول الرب، وأحببت يعقوب وأبغضت عيسو؟».
كيف أحب الله يعقوب؟ مَن منا يعرف شيئًا عن حياته المبكِّرة، وما ظهر فيها من غش وخداع، ولا يتعجب من محبة الله له؟ لكن الأعجب أن الله هنا، وفي نهاية العهد القديم، وبعد كل ما ظهر من فشل من نسل يعقوب، يعلن ثبات محبته لهم!! يا للنعمة! بل وقبل ختام السفر، يقدِّم لهم هذا الإعلان العظيم «لأني أنا الرب لا أتغير فأنتم يا بني يعقوب لم تفنوا» (3: 6).
لكن الربّ بعينيه الفاحصتين يرى الشرور الموجودة بينهم، ولا يمكن أن يتغاضى عنها، لذا فقد وبَّخهم على الآتي:
- احتقار اسمه والتهاون بعبادته (1: 6-10): «الابن يكرم أباه والعبد يكرم سيده؛ فإن كنت أنا أبًا فأين كرامتي؟ وإن كنت سيدًا فأين هيبتي؟...».
- الازدراء بشريعة الرب (2: 4-9): «أما أنتم فحِدتُم عن الطريق، وأعثرتم كثيرين بالشريعة».
- الغدر في العلاقات الاجتماعية والخيانة الزوجية (2: 10-16): «لم نَغدُر الرجل بأخيه لتدنيس عهد آبائنا؟...».
- أقوال شريرة وكلام رديء (2: 17؛ 3: 13-15): «أقوالكم اشتدَّت عليَّ قال الرب...».
- التهاون في العشور والتقدمات (3: 7-12): «أ يسلب الإنسان الله؟ فإنكم سلبتموني...»
ردَّ فعل الشعب
كشف ملاخي عن رَدّ فعل الشعب، وما كانوا يردِّدونه في قلوبهم، أو في أحاديثهم، في سلسلة من الأقوال الصعبة التي قالوها:
- «قلُتم: بِمَ أحببتنا؟» (1: 2).
- «تقولون: بِمَ احتقرنا اسمك؟» (1: 6).
- «تقولون: بِمَ نجّسناك؟» (1: 7).
- «قُلتم: ما هذه المشقة؟» (1: 13).
- «قلتم: لماذا (لا تُقبَل تقدماتنا)؟» (2: 14).
- «قلتم: بِمَ اتعبناه (الرب)؟» (2: 17).
- «قُلتم: بماذا نرجع (للرب)؟» (3: 7).
- «قُلتم: بِمَ سلبناك؟» (3: 8).
- «قلتم: ماذا قلنا عليك؟» (3: 13).
هل عندما يرسل الرب كلمة عتاب أو توبيخ بواسطة خدَّامه المتكلمين بكلمته، هلى نقبلها ونتضع أمامها؟ أم نحتجّ ونجادل وتفقد الكلمة تأثيرها؟
هل فكَّرنا في مشاعر أب يعاتب ابنه لسبب أخطاء يراها فيه؟ لكن الابن يجادل ويجادل ويرفض الاعتراف بأخطائه وتغيير مساره، كم يحزن قلب الأب؟!! هكذا قال الرب.
موقف الرب والإعلان الأخير
خاطب ملاخي فريقين من الشعب:
فريق المعاندين المتكبّرين الذين أعلن لهم قضاء الرب عند مجيئه للدينونة (3: 5؛ 4: 1).
وفريق الاتقياء المتضعين وأعلن لهم مكافأة الرب (3: 16-18؛ 4: 2).
أخيرًا يعلن ملاخي الإعلان الأعظم عن مجيء المُخلّص ومن سيهيء الطريق أمامه (3: 1؛ 4: 5 ،6).
تُرى هل سيجدنا الرب أمناء له متمسكين بكلمته عائشين في مخافته عندما يأتي ثانية؟!..