رحلة الشعب - محطة برية سين
حالة الشعب:
خمسة وأربعون يومًا مضت من الرحلة، فيها نسي الشعب ما فعله الرب معهم، وتذكَّروا ما لم يفعله فرعون! نسوا نجاة الأبكار من الموت، وعبور البحر الأحمر، وخلاصهم من فرعون، وترنيمة الفداء، والشجرة المقطوعة، وإيليم حيث الماء والبلح· وتذكَّروا قدور لحم وهمية، وأكل حتى الشبع لم يحدث· لقد تخيّلوا أن الرب أخرجهم من مصر ليُميتهم بالجوع في البرية!! وإن كانوا قد فشلوا في إمتحان مارة، فلم يتعلّموا الدرس، وها هم يفشلون في امتحان برية سين· فبدلاً من أن يصبروا ويصرخوا وينتظروا الرب؛ تذمّروا·
إجابة الرب:
لكن بماذا أجاب إله كل نعمة على تذمراتهم؟ في مارة أجاب بشيء من الأرض - شجرة مقطوعة - وهنا يجيب بشيء من السماء!! يا للعجب! قلب الإنسان يعلن تذمرًا متزايدًا، وقلب الله يعلن صلاحًا متزايدًا!! فقد أعطاهم طعامًا للمساء وطعامًا للصباح فما هو؟
السلوى طعام المساء:
طائر كالسِمّان، نزل مساءً وغطّى المحلّة، فأخذ الشعب منه وذبح وأكل· وهنا نجد صورة للصليب· فالمسيح السماوي قد ذُبِحَ، وسُفِكَ دمه الكريم، واحتمل نار دينونة الله؛ ولا تنس ظلمة الصليب!
المن طعام الصباح:
أكلوا السلوى أولاً· ومرة واحدة فقط، قبل أن يأكلوا من المن طوال رحلة البرية· بمعنى الإيمان أولاً بموت المسيح الذي ماته مرة واحدة على الصليب، ثم التغذّي عليه طوال رحلة الحياة على الأرض· وبدون إيمان قلبي ينقلك لحياة جديدة، فالمسيح بالنسبة لك بلا صورة أو جمال أو طعم يشبعك·
المن كرمز للمسيح:
1- خبز السماء: والمسيح قال عن نفسه «وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء: ابن الإنسان الذي هو في السماء» (يوحنا3: 13)·
2- دقيق كالجليد: الجليد أبيض، وملمسه ناعم، ويتأثر سريعًا بالجو المحيط به· وهكذا المسيح؛ فالنقاء صفته الظاهرة للجميع، وكل من يلمسه أو يتلامس معه لا يجد فيه شيء من الخشونة، بل كل رقّة ورثاء وحنان· وما أرق مشاعره وتأثّره بمن أحاطوا به، وهو يرى ما فعلته الخطية فيهم؛ فكثيرًا ما أنَّ وتحنن وبكى· فهو - كما علَّمنا - فرِحَ مع الفرحين وبكى مع الباكين·
3- غير معروف: عندما رأى بنو إسرائيل المنّ، قالوا «من هو؟»، لأنهم لم يعرفوا ما هو· والرب يسوع لم يعرفه أو يقدِّره أحد «كان في العالم، وكوِّن العالم به، ولم يعرفه العالم··· في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه» (يوحنا1: 10 ،26)·
4- كبِزر الكزبرة: مستدير الشكل، والدائرة بلا بداية أو نهاية· والرب يسوع هو البداية والنهاية، الأول والآخر، لا بداية أيام له أو نهاية لحياته·
5- طعمه كرقاق بعسل: والمسيح الوحيد الذي ينطبق عليه قول الكتاب «حلقه حلاوة وكله مشتهيات» (نشيد5: 16)· وكل من يأكله بالإيمان ويشبع به، يدوس عسل العالم·
6- يطحنونه بالرحى (سفر العدد11): وهي طريقة إعداده للأكل· صورة لآلام ربنا يسوع المسيح؛ فالرحى لها حجران علوي وسفلي والمن يُسحق بينهم· والمسيح تألّم من الله، لأنه حَمَلَ خطايانا على الصليب· وتألم من الناس لكماله وبره·
7- كان ينزل بالليل مع سقيط الندى: والرب يسوع وُلِدَ بالليل، وهذا نفهمه من بشارة ملاك الرب للرعاة (لوقا2: 1-8)·
دروس للنفوس:
لا ننسَ أن هذه الأمور أصابتهم مثالاً (1كورنثوس 10: 11)، وسجَّلها لنا الوحي لنخرج منها ببعض الدروس نذكر منها:
1· كل مؤمن بالمسيح أصبح ليس من العالم، بل خرج منه ويجب أن يُفطم قلبه عن كل ما في العالم·
2· كان على الشعب أن يُبكّر ليلتقط المن قبل أن تحمى الشمس· ولكي نتغذى ونشبع بالمسيح علينا أن نبكِّر إليه قبل أن ننشغل بسواه (اقرأ مزمور63)·
3· ليلتقطوه، عليهم أن ينحنوا، ونحن نحتاج أن نتعلم هذا الدرس من الرب؛ فكيف اتضع ووصل لأرضنا، آخذًا صورة عبد· ولا تنسَ أن الله يقاوم المستكبرين·
4· لا يُحفظ للغد حتى لا يفسد: بمعنى أن ما نعرفه عن المسيح لا نحفظه نظريًا ونختزنه كمعلومات· بل نتغذى به فنحيا به وله·
5· ليلتقطوه كان عليهم الخروج من الخيمة: ونحن علينا أن نخرج من دائرة أنفسنا وذواتنا ومشغولياتنا لكي نجد الرب ونشبع به·
العطية والمسؤولية:
كلمتان نختم بهما المقال «أعطاكم الرب» (ع15)· «تأخذون كل واحد» (ع16)·
في الأولى نجد العطية، وهل يعطي الرب شيئًا لا يكفي؟ وهل يليق بنا أن نتذمر؟
وفي الثانية المسؤولية، كل واحد لم يتعرف على الرب، عليه أن يأخذ لنفسه عطية الله التي لا يُعبَّر عنها «هكذا أحب الله العالم حتى بذل (أعطى) ابنه الوحيد»، ومن يرفض عطية الله سيمكث عليه غضب الله·
وكل واحد مؤمن يأخذ لنفسه، أي لا تعتمد على طعام الآخرين، بل فتِّش في الكتاب، وتأمل في المسيح من المذود إلى الصليب؛ فستجد لنفسك طعامًا وزادًا للطريق·