إن التعامل مع المقدَّسات والأنشطة الروحية لن يجعل منّا قديسين، ولن يضمن لنا حياة القداسة· لكن التعامل مع الله القدوس، والمقابلة اليومية معه، والاعتياد على الوجود في محضره؛ هو الذي يضمن لنا ذلك·
ويظل الإنسان راضيًا عن نفسه، خاصة إذا مارس أنواعًا من النشاط والخدمة، حتى يدخل إلى محضر الله بصدق وإخلاص، ويستشعر قداسته؛ عندئذ سيكتشف نجاسته، مثلما حدث مع إشعياء النبي (إشعياء 6)، وهذا ما عبَّر عنه المرنم بقوله:
إذ دخلت قدسك·· ورأيت عرشك··
أخجلتني صورتي··
h إن الدرس الأول الذي على كل خادم أن يتعلّمه، قبل الخدمة: هو أنه يتعامل مع إله قدوس، وعليه أن يحترم قداسته، ويسلك متوافقًا مع هذه القداسة، مدركًا أن الله يراه ويسمعه دائمًا، ويزن تصرفاته بميزان الحق·
h إن أول إشارة للقداسة في الكتاب المقدس ارتبطت بإرسالية موسى (خروج 3)· فقد ظهر له الرب من العُليقة، وقال له: «اخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت عليه أرض مقدسة»· وذلك قبل أن يقول له: «هلم فأرسلك إلى فرعون» (خروج 5: 3 ، 10)·
h ونفس الدرس حدث مع يشوع قبل أن يبدأ الحروب لامتلاك الأرض، عندما ظهر له رئيس جند الرب وقال له: «اخلع نعلك من رجلك، لأن المكان الذي أنت واقف عليه هو مقدس» (يشوع 15: 5)·
h وعندما ظهر الرب ليعقوب في حلم الليل وتكلم معه، استيقظ يعقوب من نومه وقال: «حقًا إن الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم، وخاف وقال ما أرهب هذا المكان» (تكوين 28: 16،17)· لقد استشعر حالته غير المتوافقة مع قداسة الله عندما أتى وجهًا لوجه معه ولو في الحلم· وظل هذا الشعور يلازمه بعد 30 سنة، عندما قال الرب له: «قم اصعد إلى بيت إيل وأقم هناك» (تكوين 35)· لقد تعلم أنه ببيت إيل تليق القداسة·
وعلى كل مؤمن ومؤمنة، لا سيما مَنْ يخدمون، أن يدركوا خطورة التعامل مع إله قدوس، وأن يعيشوا تحت شعور واعٍ بأن الرب حاضر في هذا المكان (في كل مكان)، وهذا ينشئ فيهم مهابة وارتعادًا مقدسًا·
h كذلك فإنّ يوسف، بعد سنوات، عاش نفس الاختبار، عندما واجه الخطية وقال: «كيف أصنع هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله؟» (تكوين 39: 9)·
h وعندما ظهر لجدعون، وقبل أن يرسله ليخلِّص إسرائيل من المديانيين، ورأى جدعون أن الذي تكلم معه هو الرب نفسه، خاف وقال: «آه يا سيدي الرب· لأني قد رأيت ملاك الرب وجهًا لوجه» (قضاة 6: 22)· لقد شعر بعدم التوافق مع قداسة الشخص الذي تكلم معه، وكان عتيدًا أن يستخدمه·
h وفي تاريخ إيليا وأليشع نري أن كلاً منهما وقف في حضرة الله بكل خشوع يُفنِّد اعتبارات قداسته، وهذا انعكس على حياة كل منهما وخدمته· فعاش إيليا منفصلاً عن شر الأمة، شاهدًا أمينًا للرب· وعاش أليشع كرجل الله المقدس الذي يحمل معه تأثيرًا مقدَّسًا حيثما يذهب أو يكون·
h لقد ظهرت قداسة الله على جبل سيناء، يوم نزل الرب على هذا الجبل وتكلَّم مع موسى· وكان الجبل يضطرم بالنار ويرتجف وفوقه سحاب ثقيل ورعود وبروق وصوت بوق كان يزداد اشتدادًا جدًا، وكان المنظر هكذا مخيفًا حتى قال موسى «أنا مرتعب ومرتعد» (خروج 19؛ عبرانيين 12)· لكن بالأكثر ظهرت قداسة الله في صليب المسيح، حيث أوقع كل الدينونة عليه كالبديل للخطاة، وسط ساعات الظلام·
إن إدراكنا لموقف الله القدوس من الخطية، كما ظهر في الصليب، حتمًا سيملأ قلوبنا كراهية للخطية، ويقودنا إلى حياة القداسة التي تتوافق مع الله·
وعلينا أن نعرف أن الخطية خيانة ضد الرب (يشوع 7)، إهانة له (رومية 2)، عار (أمثال 34: 14)، واحتقار للرب (2صموئيل 12)، نجاسة (تكوين 34)· وهذا كله يجعلنا نرفض الخطية وننفصل عنها، مبغضين حتى الثوب المدنَّس من الجسد·
إن المطلب الأول الذي يريده الرب في الخادم هو: حياة القداسة، وسط عالم مليء بالمؤثرات التي تنجِّس· وعلينا أن ندقِّق فيما نقرأه ونسمعه ونشاهده، وفي المعاشرات والصداقات والأماكن التي نتردد عليها· فهذا كله، أردنا أو لم نُرِد، سيؤثِّر علينا ويلوِّث أفكارنا· وعلينا أن نتذكر أن جسدنا هو هيكل للروح القدس· وعلينا أن نحترم هذا الأقنوم الإلهي، إن أردنا أن يستخدمنا بقوة في خدمة ناجحة· كما يجب أن نتحذّر من الجسد الذي فينا وندرك فساده وأنه عديم الشفاء، فنخاف من أنفسنا ولا نأتمن الجسد على الإطلاق·
وعلينا أن نسير بخوف أمام الله الآب الذي يرانا، والذي يحكم بغير محاباة، ويؤدِّبنا للمنفعة لكي نشترك في قداسته· وإذا أخطأنا علينا أن نعترف ولا نكتم خطايانا، ونتوب أمامه بكل تواضع وانكسار، واثقين في شفاعة المسيح لأجلنا، وفي كفاية النعمة التي تعالج أخطاءنا، وتأخذ بأيدينا وتسترنا في ضعفنا، وتستخدمنا من جديد·