روى أحد خدام الرب هذه القصة:
ما زلت أتذكَّر تلك الليلة التي حبست فيها نفسي خارج البيت· كانت زوجتي وابني قد تركا البيت للتوِّ، فذهبت إلى الخارج لأقفل باب الجراج· وعندما رجعت إلى البيت وجدت أن الهواء كان قد أغلق الباب، وكان كل شيء مقفلاً بإحكام، فلم يكن أمامي أي خيار إلا أن أبقى - بالبيچاما - في الهواء البارد، خارجًا، حتى تعود عائلتي·
وبينما كنت أجلس هناك بضعة ساعات، فكَّرت في كم هو مخيف، بالنسبة للذين سيُقفل أمامهم باب السماء، أن يبقوا خارجًا للأبد· إن انتظارهم الطويل دون أن يقبلوا المسيح سيجعلهم يواجهون فجأة الحقيقة الرهيبة؛ إذ يجدون أن باب الخلاص قد أُقفل أمامهم إلى الأبد·
وروى آخر أنه عندما زار فلسطين، التقى راعيًا وغنمه أمام حظيرة للخراف، ولاحظ أنه لم يكن من باب في تلك الحظيرة المُعَدَّة لحماية الغنم، بل فتحة ضيقة بعرض جسم إنسان· فسأل خادم الرب الراعي عن سبب عدم وجود باب للحظيرة، فشرح الراعي قائلاً: أنا هو الباب للدخول؛ فأنا أقف في الفتحة، والخراف تمرُّ من تحتي إلى داخل الحظيرة، حتى إذا صارت جميع الخراف في الداخل بأمان، أنام متمدِّدًا على طول تلك الفتحة، فما من لص أو ذئب يقدر أن يدخل، وما من خروف يقدر أن يخرج إلا على جسدي؛ فأنا هو الباب!
ولما كان الرب يسوع المسيح هنا على الأرض، قال: «أنا هو الباب· إن دَخَلَ بي أحد فيخلُصُ» (يوحنا10: 9)· والذين كانوا يصغون إليه يومذاك لم يُفكِّروا ببابٍ من خشب يدور على مفصلات، بل فهموا أنه كان بالحقيقة يقول: أنا هو الباب الوحيد لكل مَنْ يبتغي الحصول على الخلاص والحرية، والسلام والحياة الأبدية، والشبع والتمتع بالمجد الإلهي في المقادس السماوية·
ولنتأمل في كل كلمة من هذه العبارة التي قالها الرب يسوع المسيح·
إن ضمير المتكلم «أنا» يشير إلى الرب يسوع المسيح· وعندما يقول الرب «أنا هو الباب»، يضع جانبًا كل شيء وكل شخص غيره· فالكنيسة - وإن كانت مؤسسة إلهية - ليست هي الباب· والخادم - وإن كان في استطاعته أن يوجِّه سامعيه إلى الباب - ليس هو الباب· والفروض - حتى التي رسمها الرب - ليست هي الباب· والأعمال الصالحة - وإن كانت من التزامات المؤمنين - ليست هي الباب· إن الرب نفسه هو الباب· لقد قال: «ليس أحدٌ يأتي إلى الآب إلاَّ بي» (يوحنا14: 6)·
والكلمة «هُوَ» تستحق التأمل العميق· فلم يقل الرب: "أنا كنت الباب"، كأن هذا الأمر لم يكن سوى حقيقة مضت وانتهت· ولم يقل "أنا سأكون الباب"، كأنّ الأمر سوف لا يتم إلا مستقبلاً· بل قال: «أنا هُوَ البَابُ»· فهو الباب في الوقت الحاضر؛ الآن· ولهذا السبب يدعونا أن نأتي إليه الآن، وأن ندخل الآن (2كورنثوس6: 2)·
وحَرْف التعريف "ال" يستحق الملاحظة أيضًا· فلم يَقُل الرب يسوع "أنا باب"، كأنّ هناك أبوابًا كثيرة· إن الرب يسوع ليس أحد أبواب متعددة، ولكنه «الباب»؛ الباب الوحيد «وليس بأحدٍ غَيرِهِ الخَلاَصُ· لأن ليسَ اسمٌ آخر تحت السماء، قد أُعطيَ بين الناس، به ينبغي أن نخلص» (أعمال4: 12)· ولقد قال - تبارك اسمه - «أنا أنا الرب، وليس غيري مُخلِّصٌ» (إشعياء43: 11؛ 45: 21،22)·
أليس من اللائق به أن يكون هو الباب الوحيد للخلاص؟ ذلك لأنه الوحيد الذي مات لأجل خطايانا «لكي يُقرِّبنا إلى الله» (1بطرس3: 18)، الوحيد الذي سفك دمه الثمين لمغفرة خطايانا (أفسس1: 7)، فهو وحده القادر والمستحق أن يقول: «أنا هو الباب· إن دَخَلَ بي أحد فيخلُصُ»·
وكلمة «الباب» عجيبة في بساطتها وعمق معناها· جميعنا نعرف ما معنى «الباب»، وفي أي شيء يُستعمل· الباب معناه المدخل؛ واسطة الدخول· والمسيح هو الباب للخلاص، وما يتبعه· ومتى وضع شخص ثقته في الرب يسوع واتكل عليه اتكالاً كاملاً للخلاص، يكون قد دخل من الباب وخَلُصَ، ويعلم - استنادًا على سلطان كلمة الله الصادقة - أنه لا بد وأن يصل إلى السماء· وكل خاطئ مدعو للدخول من هذا الباب· ولقد وعد المُخلِّص قائلاً: «مَنْ يُقبِل إليَّ لا أُخرِجهُ خارجًا» (يوحنا6: 37)·
والآن لاحظ بساطة كلمة الله بخصوص الخلاص «إن دَخَلَ بي أحدٌ فيخلُصُ»· فليس بالناموس، ليس بالطقوس، ليس بالأعمال، ليس بالأخلاق، ليس بالعادات، ليس بالمال، لكن «بي»؛ بالرب يسوع المسيح·
ويقول الرب: «إن دَخَلَ بي أحَدٌ»؛ أيُّ إنسان؛ يهودي أو أممي، غني أو فقير، رجل أو إمرأة، مُهذَّب أو فاجر، مُتعلم أو جاهل؛ فالرب فتح الباب على مصراعيه لكل راغب في الدخول إلى دائرة نعمته، بل إن أشرّ الأثمة والخطاة يدخل ضمن دائرة تدبير الخلاص ونوال الحياة الأبدية· وما من شخص له أي عذر لأن يمضي حزينًا كئيبًا وهو يقول: "لا خلاص لي، ولا أمل في الخلاص" وذلك لأن الرب يسوع صرَّح قائلاً: «إن دَخَلَ بي أحَدٌ»، بغَضّ النظر عن حالته· أي واحد، أيُّ مَنْ يريد؛ «إن دَخَلَ بي أحدٌ فيخلُصُ»· وما أبسط هذا الحق الصريح الجليل· ولا يحتاج الإنسان لعناء كثير ومجهود كبير لكي يدخل من الباب· إن هي إلا خطوة واحدة يخطوها الإنسان، فيدخل دائرة الخلاص مع قطيع الراعي العظيم· وهل يوجد أوضح وأسهل من هذا؟!
عزيزي: إن الباب مفتوح على مصراعيه، والرب يدعوك شخصيًا لكي تدخل، وينادي الجميع قائلاً: «تعالوا إليَّ» (متى11: 28)· فهل تدخل الآن؟! وشكرًا للرب لأن الباب لم يزل مفتوحًا، والمسيح لم يزل يُخلِّص إلى التمام جميع الذين يتقدمون به إلى الله·
ولكن هذا الباب المفتوح الآن سيُغلق سريعًا، ومتى أُغلِق هذا الباب فقد أُغلِق إلى الأبد لأن الرب يسوع «يُغلِقُ ولا أحَدٌ يفتَحُ» (رؤيا3: 7)· وكثيرون سيقرعون بعد أن يُغلَق الباب في وجوههم إلى الأبد· وكثيرون سيهتمون بشأن مستقبلهم الأبدي، ولكن بالأسف، بعد فوات الوقت، وبعد أن ضاعت منهم إلى الأبد فرصة الإنقاذ والخلاص· سوف يصرخون ويولولون قائلين: «يا رَبُّ، يا رَبُّ! افتح لنا» فيجيبهم من الداخل قائلاً: «لا أعرفكم مِن أين أنتم··· تباعدوا عني يا جميع فاعلي الظُّلم!» (لوقا13: 25-27)، ويقضي عليهم بالطرح خارجًا في قتام الظلام الأبدي، هناك يكون البُكاءُ وصرير الأسنان· ففكِّر أيها القارئ العزيز - مرة أخرى - في كلمات الرب يسوع المسيح الحلوة: «أنا هُوَ البَابُ· إن دَخَلَ بي أحدٌ فيخلُصُ»·
عزيزي·· لماذا لا تدخل الآن؟!
لماذا لا تدخل الآن واثقًا في قول الرب لتمتلئ فرحًا وسلامًا؟!