وقف صبي صغير، كان أبيه يعمل في منجم للفحم ببلجيكا، وهو ينتظر بصبر صعود المصعد الذي يحمل العمال في وقت خروج وردية المساء· لفت الصبي انتباه أحد المشرفين؛ فسأله قائلاً: ماذا تفعل هنا يا غلام؟
أجاب: إني أنتظر أبي ··
قال المشرف: لكنك لن تتمكن من التعرف عليه وسط مئات الرجال الذين سيخرجون يرتدون خوذات متشابهة، ولهم نفس الوجه الأسود المُغطّى بغبار الفحم· فمن الأفضل أن تعود إلى بيتك يا بُني·
فقال الصبي: لكن أبي يعرفني!
ما أروع هذه الإجابة· لقد كان الصبي يعلم أنه لا يقدر أن يتعرف على أبيه، لكنه كان يعلم أيضًا أنه من المحال أن لا يراه أبيه·
اعزائي: إن الله أبينا يعرفنا نحن أيضًا، ويعرف كل شيء عنا فهو:
يعرف تاريخنا من قبل أن نولد:
«قبلما صوَّرتُك في البطن عرفتك، وقبلما خرجت من البطن قدَّستك» قالها لإرميا (إرميا1: 5)· كما قال الرب يسوع عن شاول مضطهد الكنيسة «هذا لي إناء مُختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني إسرائيل» (أعمال9: 15)·
يعرف أسماءنا:
«خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني» (يوحنا10: 27)· «لا تخف لأني فديتك· دعوتك باسمك· أنت لي» (إشعياء43: 1)· وعندما جاء أندراوس بأخيه سمعان إلى يسوع نظر إليه يسوع وقال له: «أنت سمعان بن يونا· أنت تُدعى صفا؛ الذي تفسيره بطرس» (يوحنا 1: 42)· بل وبينما كان يسوع مجتازًا في أريحا، نظر إلى فوق ونادى شخصًا كان مختبئًا في جميزة وقال له: «يا زكا أسرع وانزل؛ لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك» (لوقا19: 5)· وعندما رأى يسوع نثنائيل قال عنه «هوذا إسرائيلي حقًا لا غش فيه· قال له نثنائيل: من أين تعرفني؟ أجاب يسوع وقال له: قبل أن دعاك فيلبس، وأنت تحت التينة، رأيتك» (يوحنا1: 47 ،48)·
يعرف جِبْلَتَنَا:
«كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه· لأنه يعرف جبلتنا· يذكر أننا تراب نحن» (مزمور 103: 13 ،14)· لقد علم يسوع عمق الآلام التي اجتاز فيها يايرس كأب عندما قالوا له: «ابنتك ماتت· لماذا تتعب المعلم بعد؟ فسمع يسوع لوقته الكلمة التي قيلت»، فقال للرجل قبل أن ينهار «لا تخف! آمن فقط» (مرقس5: 35 ،36)· إنه يعرف جِبْلَتَنَا وبشريتنا لذلك فهو «أمين الذي لا يَدَعكُم تُجرَّبون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ لتستطيعوا ان تحتملوا» (1كورنثوس10: 13)·
يعرف جلوسنا وقيامنا:
«يا رب قد اختبرتني وعرفتني··· عرفت جلوسي وقيامي» (مزمور139: 1 ،2)·
يعرف حماقتنا وذنوبنا:
«يا الله أنت عرفت حماقتي، وذنوبي عنك لم تَخفَ» (مزمور69: 5)·
يعرف أفكارنا وكلماتنا:
«فهمت فكري من بعيد، مسلكي ومَربَضي ذَرّيت، وكل طرقي عرفت· لأنه ليس كلمة في لساني إلا وأنت يا رب عرفتها كلها» (مزمور139: 2-4)·
يعرف أعمالنا وتعبنا وصبرنا:
يقول لملاك كنيسة أفسس «أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك··· لكن عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى! فأذكر من أين سقطت وتُبْ، واعمل الأعمال الأولى؛ وإلا فإني آتيك عن قريب وأزحزح منارتك من مكانها إن لم تتُب» (رؤيا2: 2-5)· فقد تكون أعمالنا كثيرة وحركتنا وأنشطتنا وفيرة ومتنوعة، ورغم ذلك لا تُشبع قلب الرب أو ترضيه؛ لأنه ينظر إلى الدوافع والبواعث الخفية لهذه الأعمال والتي لا يعرفها الناس، بل يعرفها الرب وحده، لأنه «هو يعرف خفيّات القلب» (مزمور44: 21)· لذلك يتوجَّب علينا أن نتوب عن الخطايا الداخلية الدفينة، التي لا يعرفها الناس، ونعمل الأعمال الأولى التي هي وليدة المحبة الأولى النقية التي أغراضها شريفة وأهدافها نبيلة، ألا وهي إكرام الرب وحده وتمجيده وحده·
وقد يسأل أحد القراء بإخلاص: لكن أنا لا أعرِف الآب، فكيف أعرفه؟ وهل يمكن أن يكون الله أبي؟ أو ماهو الطريق لهذا الآب العطوف العليم بكل شيء؟ يجيب المسيح قائلاً: «أنا هو الطريق والحق والحياة· ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي· لو كنتم عرفتموني لعرفتم أبي أيضًا··· صدقوني أني في الآب والآب فيَّ ··· أنا والآب واحد» (يوحنا14: 6 ، 7 ، 11؛ 10: 30)· ويقول الرسول يوحنا في بشارته: «وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا (أي حقًا شرعيًا) أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه» (يوحنا1: 12)· فهل قبِلتَ المسيح كَرَّبٍ وسيد على حياتك؟ إنه أحبُ من كل حبيب، وأقرب من كل قريب· فيا لَقُربه الشديد ويا لحبه الفريد! وإن كان الله يعلم عنك كل شيء، فإنه ليس من الحكمة أن تخفي عنه شيء!
«لأنه يعرف طريقي» (أيوب23: 10)·