خاضعين بعضكم لبعض فى خوف الله
الخضوع: هو تنفيذ الأمر المكلَّف به، من سلطة من السلطات التي رتّبها الرب، بكل رضى وسرور، دون مجادلة أو معارضة·
والإنسان الطبيعي لا يميل إلى الخضوع بل إلى التمرد، ويرفض الطاعة ويحب العصيان· ويقول الكتاب عن الإنسان «كجحش الفرا يولد الإنسان» (أيوب 11: 12)· وجحش الفرا هو الحمار الوحشي الذي لا يعرف الخضوع بل التمرد والعصيان· ويجب أن نعرف أن التمرد كخطية العرافة والعناد كالوثن والترافيم (1صموئيل 15: 23)· لكن الروح القدس يعلمنا الخضوع·
والخضوع مبدأ عام نجده في الكتاب المقدس وأيضًا في الحياة اليومية· قال قائد المئة: «لي جند تحت يدى· أقول لهذا: اذهب! فيذهب، ولآخر: ايتِ! فيأتي، ولعبدي: أفعل هذا! فيفعل»· ولكنه أيضًا قال: «أنا أيضًا إنسان تحت سلطان»· فالجنود يخضعون له، لأنه هو أيضًا خاضع للقيادات الأعلى منه· ولكي تسير الأمور بنظام جميل لا بد من الخضوع المتبادل· إذ لا نظام بغـير سلطان، ولا سلطان بغـير خضوع تام·
ونجد عدة اتجاهات للخضوع:
1) خضوع الخدام والعبيد لسادتهم: والخدام هنا هم الذين يشتغلون في البيوت، يقضون حاجة العائلة، فالوصية لهم: «أيها الخدام كونوا خاضعين بكل هيبة للسـادة» (1بطرس 2: 18؛ أفسس 6: 5)· وعندما تمرَّدت هاجر المصرية على سارة مولاتها وهربت إلى البرية، وجدها ملاك الرب وقال لها: «ارجعي إلى مولاتك واخضعي تحت يديها» (تكوين 16: 9)·
2) خضوع الأولاد لوالديهم: يوصي الكتاب الأولاد بطاعة والديهم والخضوع لهم وإكرامهم «أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب؛ لأن هذا حق· أكرم أباك وأمك» (أفسس6: 1 ،2)· ويحذِّرنا من الاستهزاء أو عدم إطاعة الوالدين (أمثال30: 17)· لقد تمرَّد أبشالوم على أبيه الملك داود، فمات مقتولاً· بينما الصبي يسوع كان خاضعًا لأبويه (لوقا 2: 51)· ويعلّمنا الكتاب أنه من الصفات التي تستوجب غضب الله أن الأبناء يكونوا «غير طائعين لوالديهم» (رومية1: 30)·
3) خضوع المرأة لرجلها: تأتي الوصية للنساء «اخضعن لرجالكن كما للرب· لأن الرجل هو رأس المرأة···» (أفسس5: 22-24)· ولقد كانت سارة تطيع إبراهيم داعية إياه سيدها (1بطرس 3: 6)· إن خضوع المرأة لرجلها هو خضوع لسلطان الرب وترتيبه، وأيضًا زينة جميلة لها، ولها مكافأة من الرب· بالأسف، وشتي الملكة لم تخضع للملك أحشويرش، لذلك فقدت المُلك، وكان هذا لكي تعطي النساء الوقار لأزواجهن (أستير 1)·
4) خضوع الأحداث للشيوخ: في عائلة الله يوجد أحداث وشيوخ من حيث السن والإدراك والقامة الروحية· والأحداث هم الشباب الذين ارتبطوا بالرب يسوع، والشيوخ هم كبار السن والذين لهم قلب راعوي ويرعون رعية الله بنشاط· فينبغي أن الأحداث يخضعون للشيوخ (1بطرس5: 5)· وذلك لأن هؤلاء الشيوخ قد اكتسبوا حكمة من خبرتهم الطويلة مع الله، ولهم معرفة اختبارية عميقة بكلمة الله·
5) خضوع المؤمن للمرشدين: يقول الكتاب: «أطيعوا مرشديكم واخضعوا لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم» (عبرانيين 13: 17)· المرشدون في كنيسة الله هم الذين يكلِّمون قطيع الرب بكلمة الله، ولذلك يدرسونها ويفهمونها ويقدِّمونها بقوة الروح القدس، حتى يسلك المؤمنون سلوكًا صحيحًا يمجِّد الله· وهم أيضًا يلاحظون القطيع ويسهرون عليه من التعاليم الضالة والكاذبة· وقد ترتبط خدمتهم بالإنذار، وهذا يتطلب من المؤمنين الطاعة والخضوع للمشورة والتحريض والإنذار·
6) خضوع المؤمنين لمن يتعب ويعمل في خدمة القديسين: لقد طلب الرسول بولس من مؤمني كورنثوس الخضوع لمن رتّبوا أنفسهم لخدمـة القديسين وكل من يعمل معهـم ويتعب (1كورنثوس 16: 15 ،16)·
7) خضوع المؤمنين للرياسات البشرية: لقد أوجد الله الحكومات على الأرض، وذلك لمنع انتشار الشر والانتقام من الذي يفعله؛ فالحاكم هو خادم الله للصلاح، وعلى المؤمنين أن يخضعوا للسلطات الكائنة ويصلّوا من أجلهم، «لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة؛ لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله»· (رومية 13: 1 ،2؛ تيطس3: 1؛ 1بطرس 2: 13)·
8) خضوع الكنيسة للمسيح: الكنيسة هي جماعة المؤمنين بالرب يسوع، ويجب على الكنيسة أن تخضع للمسيح (أفسس5: 24)· لأنها جسده والمسيح - له المجد - هو الرأس، وهي عروسه والمسيح - له المجد - هو العريس· وخضوعنا للمسيح يعني أن نطيع وصاياه ونحفظ كلامه ونعمل ما يرضيه؛ فيكون لنا فِكره·
9) خضوع المؤمنين بعضهم لبعض في خوف الله: إن الخضوع بعضنا لبعض هو نتيجة طبيعية لامتلائنا بالروح القدس (أفسس5: 18-21)· ويجب أن يكون في خوف الله، لأن مخافة الرب هي بدء الحكمة· أي احترام إلهنا الذي هو رب الجميع· إن مخافة الرب تلجِّم إرادتنا، وتجعلنا نخضع لإخوتنا· لأن البنيان لا يأتي إلا بالخضوع المتبادل· إن محبة الذات والنظر إلى أنفسنا وامكانياتنا - مثل الغنى أو الشهادات العلمية أو المركز العالمي - تجعلنا نحتقر إخوتنا ونترفَّع عليهم· ولا شيء يحفظنا من هذا إلا الخضوع بعضنا لبعض في خوف الله· إن خضوعنا لربنا يسوع، سيدنا، يقودنا إلى خضوعنا بعضنا لبعض، ويجنِبنا من كل نزاع أو خلاف· ويجب أن نلاحظ أن خضوعنا بعضنا لبعض لا يكون على حساب خضوعنا لله·
أخي ··· أختي ··· إن كان الخضوع ليس سهلاً في العصر الحاضر - عصر إدعاء الحرية - وكثير من الشباب يقول: أنا حر، أنا أفعل ما أريد· لكن ليس هذا إلا فعل الإرادة الذاتية، وهي الخطية بعينها؛ لكن المؤمن الحقيقي يجب أن يكون خاضعًا، واضعًا أمام عينيه المثال الكامل لنا شخص ربنا يسوع (يوحنا 4: 34؛ 6: 38)·
ليعطنا الرب أن نخضع بعضنا لبعض في خوف الله، ويحفظنا من الكبرياء، ومن التمسك بإرادتنا الذاتية التي تدفعنا لعدم الخضوع؛ بل نتسربل بالتواضع، مطيعين كلمات الروح القدس: «كونوا جميعًا خاضعين بعضكم لبعض» (1بطرس 5: 5)·