قطع قطار رحلتنا عشر محطات في حوالي شهرين. وها نحن نتوقف الآن على المحطة الحادية عشر من إجمالي 42 محطة سنمر عليها قبل الدخول لأرض كنعان (راجع سفر العدد 33). لكن لا تقلق عزيزي القارئ فلن نتوقف إلا على المحطات الهامة فقط وستنتهي رحلتنا قريبًا. وسندخل كنعان السماوية.
محطة رفيديم
رفيديم كلمة عبرية معناها ”راحة“، وتقع بين ”سين“ و”سيناء“. وتسجل الأصحاحات 17، 18 من سفر الخروج الأحداث الهامة التي جرت فيها. وسنتوقف أمام حدثان هامان أولهما:
1- الصخرة المضروبة:
في البرية لا يوجد طعام أو شراب أو راحة للمؤمن وللطبيعة الجديدة التي صارت لنا بالإيمان بالمسيح. لكن هناك طعام روحي وشراب روحي يتناسبان مع الطبيعة السماوية التي نلناها. وقد رأينا في المحطة السابقة - برية سين - كيف قدّم الله للشعب المَنَّ كطعام سماوي لإشباعهم طوال الرحلة. وقد رأينا في المن رمزًا لشخص الرب يسوع، الذي قال عن نفسه إنه الخبز الحقيقي 12 مرة في إنجيل يوحنا ص 6. والآن نأتي إلى العطية الثانية لسَدِّ احتياج الإنسان؛ وهو الماء للشرب.
تذمرات وإجابات
أول تذمُّر للشعب كان في مارة (ص 15): ماذا نشرب؟ والإجابة بشجرة صيّرت الماء عذبًا. وثاني تذمر في برية سين (ص 16): ماذا نأكل؟ والإجابة بالمن النازل من السماء. وثالث تذمر في رفيديم (ص 17): أعطونا ماء لنشرب. والإجابة ماء من الصخرة. ياللعجب!
عودة لذكريات بحر سوف
قبل أن يصل القطار لمحطة برية سين حيث لا طعام أرضي، ولرفيديم حيث لا ماء أرضي؛ إتجه إلى بحر سوف (سفر العدد 33: 9)، لا ليروا هناك أحداث جديدة، بل ليذكروا خلاص الرب في شق البحر، وفعله العظيم في القضاء على المصريين، ورأفته ونعمته في نجاتهم؛ حتى متى صادفتهم أعواز الرحلة يضعوا عيونهم على كفاية الرب لهم. ورغم هذا تكرَّر هنا التذمر. ولا نستبعد أنه مع خروج كلمات التذمّر كانت أفواههم مملوءة بالمن.
موسى والعصا في رفيديم، والرب والصخرة في حوريب
لكي يرتوي الشعب في مكان الراحة (معنى رفيديم) ظهرت في المشهد عصا الله التي ضربت النهر والتي صنع بها موسى الآيات. ظهرت لا لتضرب الشعب، بل لتضرب الصخرة!
الرب على الصخرة في حوريب
من كورنثوس الأولى 10: 4 نفهم أن الصخرة هي المسيح، وقول الرب إنه يقف ”على الصخرة“ يعطينا معنى «الله ظهر في الجسد». أي استعلان الله الكامل في المسيح أو «الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر (أي أعلن)». والمكان جبل مُقفر أو جاف (معنى حوريب) وهذا ما كُتب عن المسيح «نبت قدامه كفرخٍ وكعرقٍ من أرضٍ يابسة» (إشعياء 53: 2).
البريء يُضرَب والمذنب يشرب!
الشعب الذي يستحق الضرب لا يُضرب. والصخرة البريئة هي التي تُضرَب وتنشق فيخرج الماء ليشرب الشعب! أ لم يُكتب عن المسيح «أنه ضُرِبَ من أجل ذنب شعبي» (إشعياء 53: 8).
دروس للنفوس:
خروج 16 = يوحنا 6 = الخبز النازل من السماء
خروج 17 = يوحنا 7 = الماء النازل من الصخرة أو الروح القدس
كان الله يعرف أنه لا شيء يروي الشعب إلا ماء الصخرة. وأيضًا لا شيء يروي ويفرح الإنسان إلا الروح القدس. ولكي يأتي ويسكن في المؤمن، كان لا بد للمسيح أن يُضرَب ويموت ويقوم ويصعد للسماء حتى يأتي الروح القدس. وهذا ما قاله الرب «إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب. من آمن بي، كما قال الكتاب: تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه؛ لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطيَ بعد، لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعد» (يوحنا 7: 37-39).
وماذا بعد؟
إن هذه الأمور حدثت مثالاً لنا حتى لا نشتهي ولا نجرِّب الرب ولا نتذمر. بل لنأخذ كل هذا إنذارًا لنا (إقرأ 1كورنثوس 10: 1-10).
أخي المؤمن: لم يأتِ بنا الرب للبرية لنجوع ونعطش ونتعب. بل لنختبر فراغها من أي شيء يشبعنا ويروينا ويريحنا، وهذا لا يقودنا للتذمر، بل للنظر للرب وانتظاره؛ فنجد فيه الشبع والارتواء والراحة لكل رحلتنا.
أخي القارئ يا من لم تؤمن بالمسيح بعد. ليتك تكفّ عن البحث عن مصادر للشبع والارتواء في العالم. واسمع قول الرب للسامرية «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا» (يوحنا 4: 13). بل اقبله بالإيمان، فتتمتّع بما قاله الرب يسوع «من يُقبل إليّ فلا يجوع (درس خروج 16) ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا (درس خروج 17)» (يوحنا 6: 35).