كانت ”باك يوون“ الكورية في الشهر التاسع من الحمل بينما كان الجميع في كوريا يحتفلون بالكريسماس في عام 1952م، وكانت تتذكر زوجها الذي قُتل في أثناء الحرب الكورية، وكيف أن الطفل الذي سيولد لن يرى أباه.
شعرت باك يوون بالتعب، فلم تجد من تتّجه إليه في هذه الظروف إلا الأخت واطسون، وهي مُرسَلة مسيحية، معروف عنها أنها تقدِّم الخير للجميع. وبينما كانت باك يوون تقترب من منزل الأخت واطسون، وسط الثلوج، حيث الجسر الذي لا بد أن تعبره فوق القناة العميقة هناك، أشتدَّ عليها مخاض الولادة، ولم تستطع مواصلة السير؛ وتحت الجسر ولدت طفلها. ولما لم تجد ما تقمّطه به، أخذت تخلع ملابسها قطعة بعد الأخرى، وتغطّيه وتلفّه ليدفأ ولا يتجمد. ظلت وحدها تواجه الثلوج والأعاصير الثائرة دون غطاء حتى غابت عن الوعي، وتجمّدت بعد أن فارقت الحياة.
في صباح عيد الميلاد، كانت الأخت واطسون في طريق العودة لبيتها، بعد أن فرغت من تقديم الهدايا والأطعمة للعائلات المحرومة. وما أن عبرت الجسر، توقفت السيارة بسبب نفاد الوقود. فقرّرت أن تقطع المسافة الصغيرة الباقية للمنزل سيرًا على الأقدام. وتحت الجسر، سمعت واطسون صوت صراخ طفل صغير، ولما سارت نحو الصوت أدركت الأخت واطسون ما حدث. أخذت الطفل سريعًا، وقدّمت له ”رضعة“ من اللبن. وبمساعدة الآخرين، تم دفن الأم بجوار مكان مسكنها.
تبنّت الأخت واطسون الطفل، ودعت اسمه ”سو بارك“. كانت دائمًا تحكي له عن أمه وتقول له: ”ماما باك يوون أحبتك حبًّا عظيمًا يا سو بارك، وقد برهنت على حبِّها العظيم لك بأنها ماتت متجمِّدة، لأنها خلعت ثيابها لتلفّك بها“. ولم يَمَلّ هذا الصبي أبدًا من السماع عن أمه التي أحبّته بهذا المقدار، بل كان يحب أن يسمع دائمًا القصص عن أمه التي ماتت لأجله.
في يوم عيد الميلاد عام 1964م، وهو الموافق لعيد ميلاد سو بارك الثاني عشر، كان الثلج يتساقط بغزارة. وبعد أن أحتفل سو بارك بعيد ميلاده مع أصحابه وزملائه، ذهب وجلس بجوار ماما واطسون وسألها: ”هل تعتقدين أن الله سمح أن سيارتك تفرغ من البنزين ذلك اليوم حتى يمكنك أن تجديني؟“. فأجابته قائلة: ”أكيد أن الله أراد لك الحياة يا ابني، لأنه لو لم تتعطل السيارة يومها ما كنت قد وجدتك على قيد الحياة، ولكنني سعيدة للغاية أنها توقّفت يومها، فأنا أحبك كثيرًا كما أني فخورة جدًا بك يا سو بارك“. ثم أحاطته بذراعيها وغمرته بالقبلات، وعندها سند سو بارك رأسه عليها وسألها: ”هل تسمحين وتأخذيني إلى مقبرة والدتي؛ فأنا أريد أن أشكر الله من أجلها، وأشكرها أيضًا لأنها وهبتني الحياة؟“. فأجابته ماما واطسون: ”نعم، ولكن عليك أن ترتدي معطفك الثقيل، فالجو اليوم شديد البرودة بجوار المقبرة والثلوج تتساقط بشدة“.
لما وصلا المقبرة طلب سو بارك من ماما واطسون أن تتركه وحده وتنتظره. فمشت بعيدًا وانتظرت. ملأت الدهشة ماما واطسون وهي تراقب سو بارك وقد بدأ يخلع ملابسه الثقيلة قطعة بعد الأخرى. ظنت أنه بالتأكيد لن يخلع كل الملابس؛ لأنه حتمًا سيتجمَّد إن فعل ذلك. ولكن سو بارك نزع عن نفسه كل شيء، ووضع جميع الملابس على قبر والدته، ثم ركع عاريًا على الجليد وهو يرتعش من شدة البرد وسقيع الثلوج. انتظرت الأخت واطسن دقيقة ثم دقيقتين، ثم بعد ذلك تقدمت ووضعت يدها على كتف الولد.. نظر سو بارك إلى ماما واطسن، ثم انحنى نحو القبر، وفي حزن عميق صرخ من أجل والدته التي لم يرَها على الإطلاق: ”هل بَرِدّتي هكذا بل وأكثر من هذا من أجلي يا أمي؟“. ثم أجهش في البكاء؛ لأنه عرف، بالطبع، أنها عانت أكثر من ذلك.
صديقي القارئ العزيز.. صديقتي القارئة العزيزة.. هل تأثّرت مثلي بهذه القصة الحقيقية؟ إنها واحدة من قصص الفداء الباهتة حين تقارنها بقصة الفداء التي لا مثيل لها. نعم، لقد خلعت باك يوون ثيابها طواعية وسط الثلوج لكي تقمِّط وليدها، ولكن ماذا نقول عما فعله الرب يسوع المسيح لأجلي ولأجلك، «الْمَسِيحِ يَسُوعَ... الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لله لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ» (فيلبي 2: 5-8). لقد أخفى مجد لاهوته في ناسوته، «وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَد» ِ(1تيموثاوس 3: 16). بل وهو الله الظاهر في الجسد نجده يولَد في مذود «فَوَلَدَتِ ابْنَهَا البِكرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ» (لوقا 2: 7). فإن كان سو بارك ظل يشعر بالمديونية لأمه التي ولدته وماتت لإنقاذه، فكيف يكون شعوري تجاه المسيح الذي لم يتوقّف عطاؤه وتضحيته وإخلاء نفسه عند تجسّده فقط، لكنه احتمل كل هول وعذابات أجرة خطايانا التي كنا سنحتملها إلى أبد الأبدين، لا في ثلوج كوريا، ولكن في الجحيم الأبدي. «الله... جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ» (2كورنثوس 5: 21).
أخلى الرب يسوع نفسه، تجسد ومات وقام حتى يمكن لنا أن نولد من الله، قال المسيح لنيقُودِيمُوسُ «ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ». ولما لم يفهم نِيقُودِيمُوسُ، أوضح له الرب يسوع بالقول: «وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ الله الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ» (يوحنا 3: 3-17).
صديقي صديقتي.. هل تشعر بإحسان الله لك في موت المسيح لأجلك؟ هل تسأل مع النبي داود: «مَاذَا أَرُدُّ لِلرَّبِّ مِنْ أَجْلِ كُلِّ حَسَنَاتِهِ لِي؟ كَأْسَ الْخَلاَصِ أَتَنَاوَلُ وَبِاسْمِ الرَّبِّ أَدْعُو» (مزمور 116: 12، 13). هل تصلي معي الآن؟
صلاة: ربي يسوع يا ملك الملوك.. أتوسل، وبكل قلبي أرجوك.. اكشف لي لماذا أهانوك.. لماذا عيّروك وعرّوك.. لماذا تاج شوك ألبسوك، وجلدوك.. فأُسلِّمك حياتي، لترحمني؛ إني من كل قلبي أدعوك. آمين