عند فراق أحبائنا نحزن ونبكي، ولكن حزن المؤمن يختلف عن حزن الخاطئ، لأن المؤمن له رجاء مبارك مرتبط بمجيء الرب يسوع ثانية لاختطافنا، أما الخاطئ فلا رجاء له. والكتاب المقدس عندما قال للمؤمنين: «لا تحزنوا» أضاف قائلاً: «كالباقين الذين لا رجاء لهم». ففي لحظات معينة لا نستطيع أن نمنع دموعنا من أن تُزرَف، ولقد بكى رب المجد عندما رأى مريم أخت لعازر تبكي واليهود الذين جاءوا معها يبكون على مـوت لعازر (يوحنا 11: 35؛ اقرأ أيضًا تكوين 23: 2؛ أعمال 8: 2).
وإن كان الموت بالنسبة للخاطئ مرعب ومخيف لكنه بالنسبة للمؤمن هو مجرّد رقاد، كما قال الرب عندما مات لعازر: «حبيبنا قد نام»، والذي نام لا بد أن يستيقظ، لذلك إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع. فالمؤمن لا يرى الموت، بل يرى المسيح في لحظة انطلاق روحه.
لقد قال الفيلسوف باسكال في وفاة والده: “الموت بدون المسيح مخيف ومكروه، ومنشأ للذعر والرعب في العالم. أما في المسيح يسوع فهو بالعكس؛ لطيف ومبعث للسرور للنفس المؤمنة، وكل شيء في المسيح حلو ولذيذ حتى ولو كان الموت”.
والمؤمن في لحظات الحزن والفراق يحتاج إلى كلمات التعزية والتشجيع، وهذا ما يقوله الروح القدس لنا: «عَزّوا بعضكم بعضًا»، والفعل «عَزّوا» يأتي في صيغة الأمر، أي أنه واجب علينا أن نعزّي الحزانى والمتألمين، نعزّيهم بكلمة الله المعزية والمشجعة، وليس ذلك فقط بل نبكي مع الباكين وذلك لأننا أعضاء بعضنا لبعض وكل واحد منا يحتاج للآخر.
أصيب عصفور كناري بالعمى فكفّ عن التغريد وصار حزينًا لمُصابه، فأدخلوا إليه في القفص عصفور كناري آخر ليسليه فينسى ألمه. في البداية ابتعد الكناري السليم إلى أحد جوانب القفص، ولكن بعد ذلك أسرع يرثي لحال زميله، ثم أخذ يقوده إلى الماء ويناوله الحب بمنقاره، فنسي مصابه، وأخذ الاثنان يغرّدان معًا بصوت شجي. وهكذا عندما نتعاون معًا ونشجع بعضنا بعضًا بكلمات التعزية، فلا بد أن ننسى أحزاننا ونرنم (نغرِّد) معًا فرحين بالرب.
إن الكلام عن مجيء الرب ثانية فيه العزاء والتشجيع، ولقد شرحه الرسول بولس لمؤمني تسالونيكي، مُعلنًا أن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء، والأموات في المسيح سيقومون أولاً، ثم نحن الأحياء الباقين سنُخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء. وهكذا نكون كل حين مع الرب.
ما أروع هذا الإعلان العظيم أن «الرب نفسه» سوف ينزل من السماء ليأخذ قديسيه إلى بيت الآب، وهذا وعده: «في بيت أبي منازل كثيرة... أنا أمضي لأعد لكم مكانًا. وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وأخذكم إليَّ» (يوحنا 14: 2، 3). إنه الآن عن يمين الله في المجد، وقريبًا سوف ينزل من السماء إلى الهواء. وسوف ينزل الرب من السماء ثانية بهتاف، هتاف النصرة والفرح والسرور، فالعريس يأتي ليأخذ عروسه الغالية: الكنيسة التي اشترها وفداها بدمه. وهتاف الرب هنا هو قوله للمؤمنين: “هيا تعالوا”، مثلما كان يوحنا الحبيب في جزيرة بطمس ورأى بابًا مفتوحًا في السماء وسمع صوتًا قائلاً: «اصعد إلى هنا» (رؤيا 4: 1).
وصوت رئيس الملائكة: سيأتي مع الرب رئيس ملائكة، ومعه ألوف ألوف من الملائكة، لهذا الحدث العظيم، وصوت رئيس الملائكة يعلن لقاء العريس بعروسه، وأيضًا ينادي جيوش الملائكة في احتفال ملائكي مرتَّب بعناية لمرافقة هذا الموكب في طريقهم إلى السماء.
وبوق الله: والبوق عادة يُستخدَم للتجميع، فالبوق هنا لتجميع تابعي المسيح سواء الراقدين أو الأحياء، فالأموات في المسيح سيقومون أولاً، أي أن أرواحهم التي ذهبت إلى الفردوس في لحظة رقادهم ستأتي، وأجسادهم التي دخلت القبور ستقوم، وهذه هي القيامة الأولى: قيامة الأبرار. ونحن المؤمنين الأحياء سوف نتغير كما هو مكتوب «سيغيّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده» (فيلبي 3: 21).
إن التغير سيتم في لحظة في طرفة عين (1كورنثوس 15: 52). إنها لحظة سعيدة ومباركة ومجيدة لكل قديس في المسيح. شيء رائع وعظيم، سوف نرى حبيبنا الغالي يسوع عيانًا، سنراه وجهًا لوجه، ونكون مثله، ونسمع صوت هتافه، وأيضًا سنرى كل القديسين الذين سبقونا. السحب ستكون ممتلئة بجيوش من المركبات الملائكية لتأخذ الملايين من ورثة الله والمحبوبين لقلب ربنا يسوع إلى بيت الآب. وفي لحظة لقائنا مع الرب في الهواء فإن كل قوانين الجاذبية الأرضية سُتنحّى جانبًا، وقوة الله التي أقامت المسيح من الأموات وأجلسته في المجد سوف تظهر في إقامة الأموات في المسيح وتغيير الأحياء.
في بيت الآب يُرحِّب بنا حبيبنا المجيد يسوع ويتقدَّم ويتكئنا ويتمنطق ويخدمنا، ويُجلسنا على العروش ويُلبسنا الأكاليل، ويمسكنا القيثارات ونرنم ترنيمة جديدة، وهكذا نكون كل حين مع الرب. يا لروعة هذا الرجاء المبارك، ففيه العزاء والتشجيع ونستطيع أن نهتف: «أن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلَن فينا» (رومية 8: 18). نعم ستنتهي مشاهد البرية من آلام وأحزان، من دموع وبكاء، من تعب وبلية، وفي بيت الآب سيعم الفرح والتهليل، الترنيم والسجود وأيضًا المكافآت والأكاليل. بحق يا لروعة الأبدية السعيدة مع المسيح الغالي!
ليعطنا الرب أن نعزي ونشجِّع المتألمين والحزانى بالكلام عن مجيئه القريب، لأن كلمة الله تقضي على الحزن الذي في القلب، وتعزي النفس، وترفع العين لأعلى لتنتظر مجيئه الثاني لأنه قال: «أنا آتي سريعًا».
أخي.. أختي.. هل أنت مستعد لمجيء الرب يسوع ثانية؟ سيأتي المسيح ويأخذ الكنيسة وبعدها يُغلَق الباب. لذلك أسرع بالتوبة والإيمان القلبي بالرب يسوع المخلص الوحيد قبل فوات الأوان. وإذا كنت مستعدًا لمجيء الرب؛ فما هو تأثير هذا الرجاء الصالح عليك؟ هل تعلم أنه قد تناهى الليل وتقارب النهار! لذلك هل تعيش حياة السهر الروحي؟ هل تكرِّس له حياتك وتخدمه؟ هل تفرح بهذا الرجاء الحي؟ هل تشجِّع وتعزّي المتألمين بهذا الرجاء المبارك؟